عملت آلة العدوان الاستعماري على سورية لترويج موجات من التشكيك حول طبيعة الدورين الروسي والإيراني الداعمين للدولة الوطنية السورية في القتال ضد عصابات الإرهاب والتكفير التي شكلت أداة حرب بالوكالة تقودها الولايات المتحدة بالشراكة مع دول الناتو وحكومات الخليج ومعها حلف سياسي دولي انطلق بأكثر من ثمانين حكومة مقابل الصين وروسيا وإيران وبعض الحكومات المناهضة للهيمنة الأميركية على العالم التي جاهرت بالتضامن مع سورية.
تدرجت تلك الموجات بتعبيراتها التي حركتها محاولات اميركية حثيثة لتفكيك الحلف المناهض للعدوان والداعم لموقف الدولة السورية منذ مؤتمر جنيف وقد اختبر المخططون الأميركيون شيطنة الانخراط الروسي والإيراني في الدفاع عن سورية والمشاركة بدعم الصمود السوري اقتصاديا وماليا وعسكريا منذ السنوات الأولى للعدوان الأميركي الصهيوني واشتغلوا لفترة طويلة على فرضيات المنافسة بين روسيا وإيران على النفوذ في سورية وكانت الحقيقة الصادمة في ظهور وحدة الأداء والعمل والتناغم السياسي والتكامل العسكري المعاكس لتلك الرغبات ولفرضياتها رغم التمايز الواضح في النظر إلى مسائل كثيرة تعكس خصوصية المصالح والمواقف وبصورة رئيسية اتجاه موقع سورية في الصراع العربي الصهيوني.
تدرك القيادة السورية بدقة جميع خصوصيات حلفائها ونظرة كل منهم إلى الأمور وهي حققت نجاحا في توليد بيئة استراتيجية كان من نتيجتها تضييق هوامش التعارض والتمايز بين الحلفاء متمسكة بنظرتها الخاصة المبنية على المصالح الوطنية السورية.
تشترك الجمهورية العربية السورية مع روسيا في حلف مقاومة الإرهاب الذي كان خطره محفزا حاسما للانخراط العسكري الروسي الذي ساهم في تعديل ميزان القوى ودعم قدرة الجيش العربي السوري على استرجاع سيطرته في العديد من المناطق وعلى إعادة بناء قدراته الدفاعية في مجابهة العدوان الاستعماري وفي امتلاك وتجديد القدرات السورية الرادعة للكيان الصهيوني .
من الواضح لأي متابع جدي ان التحرك الروسي بني أصلا على اعتبار معركة الدفاع عن سورية مفصلا حاسما في التصدي للهيمنة الأميركية الأحادية على العالم وهو ما جرى تطويره والبناء عليه منذ الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي.
كان الرئيس فلاديمير بوتين واضحا في كلمته امام قمة منظمة الدول المستقلة عام 2015 عشية الحشد الروسي الجوي إلى سورية والتي عقدت في دوشينبه عندما خاطب رؤساء دول الرابطة المستقلة شارحا أهمية الانخراط في مقاتلة الإرهابيين والقضاء عليهم على أرض سورية لأنهم خطر ينذر بالارتداد إلى العمق الآسيوي الذي يشمل روسيا وجوارها بما في ذلك الصين. بالتوازي تتمسك الجمهورية العربية السورية بحلفها الاستراتيجي الوثيق مع إيران منذ أربعين عاما وهما يشتركان في محور المقاومة المبني على التناقض الوجودي مع الكيان الصهيوني ومع دوره في المنطقة كركيزة لمنظومة الهيمنة الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة وقد قدم الرئيس بشار الأسد نموذجا نادرا من القدرة القيادية الخلاقة في قيادة الدفاع عن بلاده عبر هذين المحورين على أساس التكامل في مجابهة الأخطار المشتركة وهو يعمل على ترسيخ علاقتهما بسورية بشبكة من الشراكات والمصالح الاقتصادية من ضمن فهم مشترك للصراع وهذا ما يفسر العديد من الاتفاقات التي وقعت مع روسيا وإيران في سياق التصدي للعدوان على سورية وهي تخطت الإطار العسكري إلى المستويات الاقتصادية النفطية والتجارية والصناعية.
هذه الرؤية تمثل لب التوجه السوري لتخطيط إعادة البناء العمراني والاقتصادي من خلال مبدأ التوجه شرقا الذي طرحه الرئيس بشار الأسد وباعتباره ان اولوية إعمار ما دمرته الحرب هي الشراكة مع الدول التي دعمت صمود سورية وساهمت في الدفاع عنها وبالتالي مع شركاء محور مقاتلة الإرهاب ورفض الهيمنة الأميركية الغربية وفي المقدمة روسيا والصين وبالتأكيد مع إيران الشريك الرئيسي في محور المقاومة الذي ساهم بقوة في القتال دفاعا عن سورية وتسعى القيادة السورية منهجيا لتطوير التشبيك الاقتصادي مع حلفائها الكبار من موقع الإدراك العميق لوحدة المصالح الاستراتيجية وللشراكة في التصدي لآلة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة.
بقدر ما احترمت سورية خصوصيات حلفائها تمسكت بخصوصية موقفها الوطني ومصالحها الوطنية فالرؤية السورية لمستقبل البلاد قامت على التمسك بفكرة الدولة الوطنية المركزية العلمانية وتمايزت عن بعض الطروحات الإيرانية والروسية وكان الحسم في طهران وموسكو على السواء بتبني الرؤية الوطنية السورية وفقا لما يبرهن عليه التدقيق في جميع النصوص السياسية عن الحل السوري وخصوصا ما جرى تداوله في حصيلة المؤتمرات المتلاحقة التي انعقدت في السنوات الأخيرة فقد عكست جميع تلك النصوص التزاما بالرؤية السورية لما يسمى بالعملية السياسية ومبادئ الحل لجهة وحدة الأرض ومركزية الدولة وعلمانيتها.
شكل التعامل السوري مع مبادرات الحلفاء ومواقفهم نموذجا لتغليب المصالح المشتركة ولتفهم الخصوصية وفي هذا السياق كانت سورية وما تزال تعتبر الوجود التركي احتلالا مرفوضا وهي بالمقابل استفادت من نتائج الاحتواء الروسي والإيراني للدور التركي الذي كان رأس حربة في العدوان الاستعماري وهي تحصد نتائج ذلك في عملية مشتركة مع روسيا وإيران لتفكيك مناطق سيطرة الإرهابيين وتحريرها وتوسيع نطاق سيطرة الجيش العربي السوري على الأرض بنفس طويل وهي عملية متواصلة بدأت مع معركتي تحرير حلب والغوطة كما هي حاضرة اليوم في معركة تحرير إدلب التي تقتضي عملية حسمها حسابات دقيقة لحجم العقد وللكلفة العسكرية والبشرية التي تحد منها مبادرات الحلفاء السياسية بما يعزز قدرة الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية على كتابة الفصل الأخير بانتصارات متلاحقة وبما يخضع تركيا لمحك الاختيار بين الرضوخ للمشيئة الأميركية او الانحياز إلى المعسكر الروسي الإيراني وجبرية اتباع نهج جديد في العلاقة مع سورية يقوم على المصالح المشتركة بين دولتين جارتين وهو ما يفسر اقتراح روسيا للعودة إلى إطار تفاهمات 1998 بين الدولتين الجارتين.
إن جميع أفكار الاحتواء والتفكيك بمبادرات حول مصير الجماعات المسلحة على الأرض هي ابتكار سوري طرحه الرئيس بشار الأسد منذ بداية العدوان وقبل الانخراط الروسي والإيراني وقد اطلق الأسد تصوره حولها منذ البداية واصدر مراسيم متلاحقة للعفو كما قاد حوارات ومصالحات في سائر المناطق سهلت انتشار الجيش العربي السوري وتفكيك الغيتوات التي أقامها المسلحون بقيادة فصائل القاعدة والأخوان بإتقان الجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي وبفضل هذا النهج استعادت القوات السورية المسلحة سيطرتها على معظم الأراضي السورية وهو ما سماه بعد سنوات اتفاق أستانا بالفك بين الجماعات المسلحة والإرهاب وتعهدت به تركيا في اتفاق سوتشي حول إدلب.
من مظاهر الحكمة السياسية في إدارة الصراع ان يركز الجيش العربي السوري اليوم عملياته في ما يسمى بمناطق خفض التصعيد التي نص اتفاق سوتشي المغدور على نزع السلاح الثقيل منها.
إن إدارة الصراع التي يقودها الرئيس الأسد بالشراكة مع الحليفين الروسي والإيراني تكفلت حتى اليوم بتغييرات جذرية في الميدان وبتحولات كبرى لصالح الجيش العربي السوري وهي اطلقت مسارا لتفكيك حلف العدوان الذي خسر تماسكه وتشظى نتيجة الصمود السوري بدعم من الحلفاء ومن حبك الخيال والحماس تخيل او افتراض إمكانية تحرير الأراضي السورية واستعادة كامل التراب الوطني بضربة واحدة وبعمليات قتالية شاملة فتكامل الجهود مع الحلفاء يتيح توظيفا سياسيا وعسكريا للعديد من تناقضات معسكر أعداء سورية ويخفض الكلفة على الشعب والجيش السوريين رغم كلفة الزمن الذي يستغرقه إنضاج ظروف قرار الحسم والمبادرة الهجومية في كل مرحلة خصوصا وقد بات الفصل المتبقي مرتبطا بتحرير الأرض من الاحتلالين الأميركي والتركي.
حفظت منهجية القيادة السورية ثوابت سورية القومية والوطنية كما حفظت متانة التحالفات رغم التمايزات والتباينات وقد كانت معارك الجنوب السوري برهانا على احترام الحليف الروسي لمبادئ الموقف السوري الذي يجسده التمسك بالشراكة المتينة مع محور المقاومة رغم كل اللغو التشويشي عن موقف روسيا من إسرائيل فهو موقف يقوم على أساس المصالح الروسية وبالصيغة التي تحترم خصوصية موقع سورية وموقفها من العدو والتزامها بتحرير أرضها المحتلة وبدعمها للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وهو ما تجاهر به القيادة السورية كل يوم بينما تجدد روسيا رؤيتها التقليدية المستعارة من التراث السوفيتي عن السلام الدائم والشامل المبني على فكرة الانسحاب الصهيوني من الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 وفي مقدمتها الجولان العربي السوري.