ما حصل على أرض اليمن من عدوان جاهلي، يضعنا أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، أما أن نكون مع الشعب اليمني واستحقاقاته الثورية، في يمن سعيد حرّ عزيز بحق، أو يمن يعيد تحالف العدوان عجلته الى الوراء، فيحكمه من جديد شرذمة العمالة والتبعية لذيول أمريكا.
عندما أعلنت داعش مشاركتها الى جانب القوات السعودية في معارك مأرب، فذلك من باب الحماقة وقلة التدبير التي عرفت به جماعات الارهاب التكفيري، بكافة فصائلهم عناوينهم المعلنة والسرّيّة، ما يجمعها في اطار واحد الفكر الوهابي، وخدمة الأهداف الأمريكية، ووجود أعداء الانسانية على أرض اليمن، ليس جديدا فهو مؤرخ لسنوات 1988/1989،(1) قد يكون مرتبطا بمؤشرات استخبارية سبقت تأسيس حركة أنصار الله سنة 1992 (2) وبداية مواجهتهم لنظام المقبور علي عبد الله صالح سنة 2004 (3).
صحيح أن الفكر الوهابي قد تأسس برعاية مخابراتية بريطانية، وتحالف مع آل سعود ليتحكم بالمقدّسات الاسلامية في مكة والمدينة، وتحديد تموضعه هناك- وهذا مما يجب أخذه بعين الاعتبار وتصحيح رؤية المسلمين له- قد أسفر على سيطرة مطلقة عليهما، مكنته من نشر أفكاره المتطرفة بين المسلمين بالإغراء والإيهام، وعامة المسلمين السنّة – بناء على تلك السيطرة- تكونت لديهم عقيدة أن هؤلاء يمثلون الإسلام، فذهبوا الى تقليدهم واعتماد آرائهم، واعتبارهم من صالحي الأمّة الإسلامية.
لقد وجد الإرهاب من بعض مناطق اليمن، أرضية ملائمة لتكوين عناصره وتدريب أفراده، من أغلب الجنسيات العربية، ومنهم عدد معروف من التونسيين، وقد صرّح مسؤول يمني ل CNN طلب عدم ذكر اسمه، أن تنظيم داعش بات موجودا في عدد من محافظات جنوب ووسط اليمن: ( شبوة/ البيضاء/ حضرموت/ أبين/ لحج)، وقد بدأت المنافسة تشتد بينه وبين الفرع المحلي لتنظيم القاعدة، المعروف باسم “أنصار الشريعة” وهي فرع من تنظيم القاعدة. (4)
عدم فك الإرتباط بين أهداف وجود الإرهاب الوهابي، في السيطرة على أرض اليمن، بحركة أنصار الله المعادية لأمريكا واسرائيل والنظام السعودي، وأهدافها في تحقيق العدل ونشر قيم القرآن في اليمن، التي دعا اليها مؤسس الحركة الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي، يحسبه المتابع ضربا من المبالغة، في تحليل الأوضاع السياسية على الأرض اليمنية، ولكنه إذا تمعّن في علاقات القاعدة وداعش بالنظام السعودي، واعترافات الإدارة الأمريكية في عهد رئيسها أوباما، بأنها من ساعدت على تأسيس هذه الجماعات الارهابية، بداية من حرب أفغانستان الى العراق وسوريا واليمن، لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، لا يجد صعوبة في الاقتناع بعلاقة التنظيمات الارهابية جميعها، المباشرة وغير المباشرة بمخطط الغرب، في نشر الفوضى وعدم الاستقرار، في بلدان محددة من عالمنا الاسلامي، من أجل تهيئة ارضية ملائمة للكيان الصهيوني، لبسط هيمنته على المنطقة بأسرها.
الترابط العملياتي بين قوى التحالف الذي تقوده السعودية من جهة، وبين الجماعات الارهابية من جهة أخرى، لم تخف حركته على تخوم فلسطين المحتلة، في اسنادها من طرف الجيش الصهيوني، في مواجهة النظام السوري، واستقباله ايواء ومعالجة لجرحاها، بحيث لا نجد صعوبة في الدّلالة عليه، من خلال تصريحات قادتها والناطقين باسمه، وقد أصدر تنظيم داعش بيانًا اليوم أعلن فيه بشكل رسمي، مشاركة مقاتليه في معارك مأرب، ضمن قوات المرتزقة والسعودية، وتحديدًا بمعارك الكسّارة، ضد قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية.(5)
المستنقع اليمني، أوقع امريكا واسرائيل وعملاءهم من الانظمة العربية، فأسهم كل طرف من هؤلاء، بقسط في الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، طفا على المشهد اليمني، مع زبد تحوّل تنظيم القاعدة في اليمن الى داعش، خصوصا عندما نجحت في السيطرة على أجزاء من سوريا والعراق، وأعلنت قيام دولة خلافتها، فكان ذلك حافزا ورّط بعض القبائل اليمنية في مناصرتها.
هذه التنظيمات الإرهابية باعتبارها صناعة مشبوهة، لا تتردد في تلبية أوامر تعطى اليها من صناعها ومشغّليها، في أي مكان يطلب منها فيه أن تكون متواجدة فيه، فتنخرط في جرائم قتل بعنوان اسلامي، والاسلام منهم براء، فأغلب التفجيرات والاغتيالات التي وقعت على ارض اليمن كانت تستهدف حركة أنصار الله قيادة وأنصارا، فلم يستثنى مسجد لهم ولا مستشفى ولا سوق ولا مدرسة، جميعها مستباح ومشروع للوهابية.
بعد ما يقارب سبع سنوات من الانتهاكات الدّولية المرتكبة بحق اليمن، أيقنت أمريكا – القائدة الفعلية للتحالف – في عهد الرئيس الجديد (بايدن)، أن اخضاع اليمن الى ارادة أعدائه وصل الى طريق مسدود، لذلك قال في معرض حديثه عن السياسة الخارجية الأمريكية انها يجب أن تتوقف، مؤكدا توجيهه بإنهاء دور أمريكا في العمليات الهجومية في اليمن، إضافة إلى صفقات السلاح المرتبطة بتلك الحرب، ومعلنا تعيين (تيموثي ليندركينغ) مبعوثاً خاصًا إلى اليمن. (6)
سياسة الحيف الامريكية بحق شعوب المنطقة ومنها الشعب اليمني، لا يمكنها أن تنطلي على المطّلعين حقيقة ما يجري على أرض اليمن، تأسيسا وتوجيها ورعاية، فنصْبُ همّ ادارتها الصهيونية استراتيجية اليمن كموقع جغرافي، يشرف على مضيق باب المندب التجاري والعسكري ووضع اليد عليه، مع إضعاف دور أنصار الله، بعد اليأس من القضاء عليهم، سياسة أشبه بتلون الحرباء التي لا تخفى على صائدها.
الدعوة الأمريكية بوقف الحرب ف اليمن، وتحديدا طلب الى الجيش اليمني ولجانه الثورية بوقف الهجوم على مأرب، وهي المنطقة الغنية بالنفط، حملت بين طياتها لؤما وخبثا عرفت به الادارة الامريكية، فمصلحتها قبل أي شيء آخر، وسقوط مأرب يعني انهاء اطماع التحالف المعتدي على اليمن، في تواجده بشمال اليمن، وسيطرته على نقطة استراتيجية مهمة، تعتبر عسكريا بابا يبقى منفتحا نحو العاصمة صنعاء، طالما بقي مرابطا فيه التحالف العدواني ومرتزقته، لكن هيهات أن يتحقق أمل المعتدين، وعلى الأرض اليمنية رجال عرفوا قديما بأنهم أعزّة، منذ أن أعزهم الله ورسوله(ص)، لذلك اقول إن لليمنيين كلمة الفصل وبيدهم مقاليد أمورهم، وسيثبتون بصبرهم وثباتهم وحسن ظنهم بالله أنهم أولياؤه، وهو الذي يدافع عنهم وسينصرهم عاجلا أم آجلا، والخيبة والعار على من عاداهم ولو بكلمة سوء.
المراجع
1 – تنظيم القاعدة https://ar.wikipedia.org/wiki
2 – حوثيون https://ar.wikipedia.org/wiki
3 – نزاع صعدة https://ar.wikipedia.org/wiki
4 – مسؤول يمني لـCNN: تنظيم داعش دخل إلى 3 محافظات يمنية وبدأ يتنافس بعنف مع القاعدة
https://arabic.cnn.com/middleeast/2015/01/22/isis-gaining-ground-yemen
5 – داعش يعلن مشاركته في معارك مأرب إلى جانب تحالف العدوان على اليمن
https://almehwartoday.com/s/?p=78407
6 – بعد تحرك بايدن: هل باتت نهاية الحرب في اليمن وشيكة؟
https://www.bbc.com/arabic/interactivity-55972719