لا شك بأن ظهور المرتدّ سلمان رشدي – وهو النكرة – في بريطانيا، بكتابه (آيات شيطانية)، سبتمبر سنة 1988- شهرا واحدا على انتهاء الحرب المفروضة على إيران الإسلام- لم يكن عملا فرديا، أراد به من تلقاء نفسه الإساءة للنبي(ص) ودينه، بل كان تحريضا وإغراء بريطانيا غربيا، دفعا بالرجل الى اقتحام عقبة الإجتراء على الاسلام ورمزه المقدس، اعتداءً على مشاعر المسلمين قاطبة، واستخفافا بدينهم في وقت مقصود، ظهرت فيه راية قوم سلمان المحمدي في 11/2/ 1979، متحدية منظومة الغرب المخادعة، فاضحة مخططاتها وأهدافها، وقد أصدر بشأنه الامام الخميني رحمه الله فتواه بإهدار دمه، حكما عادلا مستَحَقّا، حتى لا يجترئ على مقدساتنا غيره، ويكون عبرة لمن تحدثه نفسه النسج على منواله.
لقد شكل انتصار الثورة الاسلامية الايرانية في زماننا، عنصر تحريك واثارة إيجابية، لطلائع الأمة الإسلامية للنهوض بدينهم، والعمل المخلص من أجل رد اعتباره وإعلاء كلمته، وكانت ظاهرة الصحوة الإسلامية بادية على نخب الأمة، بتأسيس حركاتها الجهادية الصحيحة، مما استنفر الغرب أولياؤه وعملاءه وجميع وسائله الإعلامية، ليحول دون انتشارها وتمددها، بل وحاول جهده الإطاحة بالتجربة الإسلامية في إيران ووأدها في المهد، لكنه باء في جميع محاولاته بفشل ذريع، ومن كان بعين الله، فهو تحت لطف عنايته.
لقد أدركت بريطانيا ومن ورائها الغرب، بأن ما تسعى إليه إيران الثورة الاسلامية بكل قناعة وإيمان، من احياء الشعائر الاسلامية، وفي مقدّمتها فريضتي الوحدة ورابطة الأخوة الإسلامية، ستكون لها آثار سلبية على هيمنة الغرب، واستغلاله ضعف الدول الاسلامية، وستمكن إيران بهذه المبادرة الصادقة، من لمّ شمل ما تفرّق من الأمّة، ورصّ صفوفها في مواجهة أعدائها، وما سيترتب عليه من نهوضها واستقوائها، وتغيير سياساتها الخارجية، من تبعية ذليلة الى ندّية متكافئة، سوف تفضي في يوم قادم إلى التفوّق على هذا الغرب المستكبر، وتجاوز خطوطه الوهمية.
بريطانيا التي نجحت في تاريخها الاستعماري، بتفكيك شبه القارة الهندية- الى ثلاثة دول- باستعمال معتقدات أهله أداة فتنة وتحريض بينهم، انتهت في هذا الزمن الى قناعة استعمال الدين من جديد، أداة للهدم والتفريق بين الدول ومجتمعاتها، فعملت مع امريكا واليهود دهاة العالم الى صناعة التطرّف الديني سواء من الجانب السني أو من الجانب الشيعي، فنشأ هنا وهناك افراد وجماعات تبنّوا افكار المتطرفين، الرافضين للتعايش مع مخالفيهم دون عداء ومحاربة بكل الطرق، ولئن لم ينجح المشروع البريطاني الأمريكي في إيجاد موطن ودولة للتطرف كداعش، فإنه لا يزال يحتفظ بعدد من رؤوسه على أراضيه، متحيّنا بهم فرصة مؤامرة جديدة، قد تنجح اذا ما أًحبكت فصولها.
بريطانيا التي وطّنت ظلما وعدوانا الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، ضاربة عرض الحائط بكل حقوقه، تعتبر أن انكار الهولوكوست يعدّ جريمة، وانتقاد الكيان الغاصب على اراضيها مخالفا للقوانين البريطانية، وبالمقابل تفسح المجال لياسر الخبيث وقناته فدك لبث سموم فتنته وتهجماته النابية على رموز الامة الاسلامية قديما وحديثا، كأنّما وجد من المعرفة والعلم ما لم يجده غيره، وأدوار الفرق الفتنوية دعيّة الاسلام، سواء أكانت شيعية أم سنية، تكفيرية مخالفة لسنن الاسلام وأحكامه، محميّة الغرب وخادمة أهدافه التدميرية لمشاريع الامة الاصلاحية.
لقد وجدت بريطانيا في أشباه علماء محسوبين على الشيعة، مجالا للمناورة باستعمالهم ادوات فتنة، بعنوان نصرة السيدة فاطمة الزهراء واظهار مظلوميتها، في شكل فيلم بعنوان (سيدة الجنة)، قد وفّرت له وسائل الانتاج المتطورة للأفلام السينمائية اخراجا وتمثيلا، وهي التي شجعت القائمين عليه بانتهاك حرمة السفارة الايرانية في 10/3/2018 واقتحام مكاتبها، وانزال العلم المقدّس من أعلى شرفتها، ولم تتدخل الشرطة البريطانية،(1) الا بعد ساعات من العملية الدعائية الخسيسة، وأظهرت تورطا مفضوحا للحكومة البريطانية، من خلال غض الطرف عن المهاجمين، وافساح المجال لهم لفعل ما ارادوا اظهاره مسيئا للنظام الاسلامي الإيراني.
ليس جديدا أن تتآمر بريطانيا على التجربة الاسلامية القائمة في ايران، وتاريخها في التآمر على دول وشعب العالم غير خاف على العارفين، وهي اليوم بتحالفها مع اميركا، تنفذ مخططا صهيونيا خبيثا، يستهدف النظام الاسلامي لإفشال مسيرته بكل الوسائل، وأخطرها الحرب الناعمة التي تستخدمها منذ سنوات، من أجل ضرب مصداقيتها بين الشعب الايراني وبقية الشعوب الاسلامية، وتحريض الحكومة البريطانية ودوائرها الاستخبارية على انجاز فيلم (سيدة الجنة) لعلّه يفضي بتداوله بين المسلمين الى احداث فتنة طائفية، من شأنها أن تزيد من البغضاء والعداوة بينهم.
لا اعتقد أن فرقة الشيرازية ومن كان على شاكلتهم، أكثر حرصا وعاطفة على النبي(ص) وأهل بيته، ولا وفاء والتزاما بنهجهم من بقية المسلمين، ولا كانت بريطانيا يوما تنظر الى هذه الأمور نظرة احترام، وقد التقت مصالح الطرفين، في صناعة شيء من شأنه أن يفسد محاولات التقريب بين وجهات النظر الاسلامية، فكان هذا الفيلم بما حمله من اثارة وتحريض، وكان جدير بهؤلاء الفتّانين أن تكون نصرتهم لسيدة نساء العالمين من خلال انتاج فيلم يعطي للمشاهد فكرة عن سيرتها العطرة عوض التركيز على احداث تاريخية، لا يمكن أن يكون تصويرها اليوم بريئا، مع تحريم كبار العلماء له، من أمثال آية الله الشيخ (ناصر مكارم الشيرازي) الذي قال:
(مما لا شك فيه أن أولئك الذين يساهمون في إعداد ونشر هذا الفيلم أو مشاهدته يرتكبون كبائر الذنوب خاصة في الظرف الحالي الذي يصب فيه أي خلاف بين المسلمين، في صالح الأعداء ويعتبر نصرا لهم. وأضاف: لابد ان تقولوا للجميع أن من يبحث عن مثل هذه البرامج المثيرة للخلافات، ليس منا. فمثل هؤلاء يستغلون وللأسف محبة وإخلاص جمع من محبي أهل البيت (ع) وخاصة العشاق منهم للسيدة فاطمة الزهراء (ع) مؤكدا على أن الرسائل التي ينطوي عليها هذا الفيلم لا علاقة لها بالإسلام وشيعة أهل البيت (ع() (2)
نحن ندرك مدى المظلومية التي تعرض لها أهل بيت النبي(ص)، رغم الآيات البيّنات النّازلة بحقهم تعظيما لشأنهم، وعلى يقين من أن السيدة فاطمة الزهراء عايها السلام انتُهِكتْ حُرمة بيتها، وأصابها ما أصابها من العدوان، ولم يكن ذلك في غياب من زوجها الإمام علي عليه السلام، وتصرّفه الذي صدر منه، كان بأمر من النبي(ص)، وهو الذي لم يخالفه في شيء طوال حياته، وكانت وصيته له بالصبر والتسليم: (لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سملت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه. )(3)
لقد كان الامام علي (ع) الأحرص على الحفاظ على بيضة الاسلام، وقد أثبت من خلال سيرته عظمة مواقفه، ولو اتخذ موقفا آخر مغايرا، لكانت فيه نهاية الدين الخاتم، أما مواقف ابناء السيدة الزهراء، فلم تحمل في سيرهم ما أفادنا موقفا واحدا مخالفا لأبيهم الامام علي عليه السلام، وبذلك حقنوا دماءهم من مظالم اخرى، كانت ستكون اشد قسوة من اقتحام بيت سيدة نساء العالمين.
ومن جهة أخرى، لم يدعونا الله ورسوله(ص) الى سلوك اي طريق من الفرقة والتشتت، بل تركزت دعوتهما الواحدة الى الاخوة والوحدة، فمن أين جاء هؤلاء الفتانون بأساليبهم الخبيثة؟ ثم أخيرا ما ذنب هذه الاجيال الاسلامية وهي غير مطلعة على ما جرى، ولو اطلعت فماذا بامكانها ان تفعل، وقد افضى المعتدون والمعتدى عليهم الى الله جل شانه وهو الكفيل بأمرهم، فلماذا الوقوف عند هذه الأحداث عند بيت الغرب بيت الفتنة والعداوة لأمة الاسلامية؟
المراجع
1 – السفير الإيراني في لندن، أن مجموعة من أتباع فرقة الشيرازي اقتحمت السفارة
arabic.sputniknews.com/world/201803091030634199
2 – مراجع الدین يحرمون دعم ونشر فيلم “سيدة الجنة” المثير للفتنة بين المسلمين
ijtihadnet.net
3 – نهج البلاغة ابن ابي الحديد ج6ص 166