أعلنت الهيئة العامة للمنافسة السعودية، (الاثنين)، الموافق 15 آب/أغسطس الجاري، موافقتها على استحواذ الشركة العربية لخدمات الانترنت والاتصالات السعودية «SOLUTIONS» على 89,49% من شركة «جيزة سيستمز» المصرية، واستحواذ الشركة العربية لخدمات الانترنت والاتصالات على 34% من شركة «جيزة العربية للأنظمة المحدودة»، وهي شركة تابعة لشركة «جيزة سيستمز».
وبهذا الإعلان تقترب شركة «SOLUTIONS» التابعة لشركة الاتصالات السعودية (STC) من اتمام صفقة استحواذها على شركة «جيزة سيستمز»، وهي الشركة الرائدة في مجال تصميم وتنفيذ مشروعات الحلول المتكاملة في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، في صفقة تقدر قيمة الشركة بنحو 145 مليون دولار. ويُذكر أنه كان قد وافقت شركة «إنيرجيا تكنولوجيز»، المملوكة غالبية أسهمها لشركة الاستثمار المباشر المصرية «بي إنفستمنتس»، على بيع حصتها البالغة 65,7% في «جيزة سيستمز».
وفي 10 آب/أغسطس، أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر استحواذ الصندوق السيادي السعودي على حصص أقلية في 4 شركات مصرية حكومية بقيمة مليار و300 مليون دولار، وهي: شركة «أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية»، وشركة «مصر لإنتاج الأسمدة»، وشركة «الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع»، وشركة «إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية».
تسلط كل عمليات الاستحواذ الأخيرة الضوء على حجم الاستثمارات السعودية في مصر والاستحواذ على الشركات المصرية، الذي تزايد بشكل كبير في الآونة الأخيرة. ففي 3 تموز/يوليو 2022، وافق مجلس النواب المصري على تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون الاقتصادية ومكتبى لجنتى الشؤون العربية، والخطة والموازنة عن قرار رئيس الجمهورية رقم 261 لسنة 2022 بشأن الموافقة على الاتفاقية المبرمة بين حكومتى مصر والسعودية المتعلقة باستثمار صندوق الاستثمارات العامة السعودي فى مصر، والتي كان قد جرى توقيعها فى القاهرة، يوم 30 آذار/مارس الماضى.
أهداف الاتفاقية:
هدفت الاتفاقية، التي أقرها البرلمان المصري، في تموز/يوليو الماضي، إلى ما يلي:
- كان قد جاء فى تقرير اللجنة المشتركة أن هذه الاتفاقية تهدف، إلى ما يلي:
- تشجيع ودعم صندوق الاستثمارات العامة للاستثمار فى مصر مع حماية هذه الاستثمارات
- نقل الخبرات المرتبطة باستثمارات الصندوق فى مصر
- تعزيز التبادل التجارى بين مصر والسعودية
- الإسهام فى توسيع أنشطة البلدين واستثماراتهما فى الدول الأخرى على المستويين الإقليمى والدولى
- تحقيق مستهدفات الحكومة المصرية فى جذب الاستثمارات بالعملات الأجنبية
- دعم استخدام العمالة الوطنية
- توطين التقنيات الحديثة فى الاقتصاد المصرى
- السماح للصندوق السعودي بالوجود في المجالات الاستثمارية المتاحة في مصر كافة، عبر شراء وتملك العقارات والأصول المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها أو الانتفاع منها
- السماح للصندوق بتأسيس كيانات تجارية بمفرده أو بمشاركة غيره أو الاستحواذ على القائم منها، والاشتراك أو المساهمة مع الكيانات الحكومية أو كيانات القطاع الخاص في مختلف مجالات
- حق البحث والاستكشاف والاستخراج واستغلال الموارد الطبيعية وحقوق الامتياز للمرافق العامة
- عدم فرض قيود على استيفاء وإعادة تحويل أصل رأس المال وأرباحه واستهلاكاته والتعويضات، ومعاملة الصندوق في مصر معاملة المستثمر الوطني من حيث التسهيلات الممنوحة للاستثمار
- عدم اتخاذ إجراءات من شأنها حرمان الصندوق من ملكية رأس ماله أو أرباحه كليًا أو جزئيًا بشكل مباشر أو غير مباشر
- التزام الطرفين بالحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة بينهما في إطار الاتفاق، وأن يقتصر استخدامها على الأغراض التي قدمت من أجلها، ولا يجوز لأي منهما نقلها أو تمريرها بأي شكل إلى طرف ثالث إلا بعد موافقة كتابية من الطرف الذي قدمها
- في حال وجود أي نزاع بين الطرفين أو بين الصندوق ومصر يتعلق بتفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية، يلتزم الطرفان بتسويته وديًا من خلال التفاوض أو التوفيق أو الوساطة، وفي حالة عدم التوصل إلى تسوية يتفق الطرفان على الآلية المناسبة لحل هذا النزاع، ومن ذلك: التحكيم، أو اللجوء للمحكمة العربية للاستثمار، أو أية وسيلة خاصة بتسوية النزاع
تخوفات:
يرى بعض المراقبين أن هذه الاتفاقية، يتخللها بعض المشاكل، ولعل أبرزها:
- يهدف الصندوق السعودي إلى تعظيم أرباح وتعظيم الفوائض المالية للسعودية، أي أن دعم الاقتصاد المصري ليس على رأس أولوياته بالتأكيد، لذا يمتلك الصندوق استثمارات في العديد من أسواق الأسهم والسندات في العالم مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وغيرهم.
- تحتاج مثل تلك الاتفاقيات للحفاظ على مبدأ الشفافية وذلك لسد الطرق أمام أي من شبهات الفساد وبخس قيمة الأصول
- ترتبط مثل تلك الاتفاقيات بالعلاقات السياسية بين البلدين فكلما كانت العلاقات جيدة كلما ساعد شجع ذلك على زيادة حجم الاستثمارات في البلاد، وعلى الرغم من قوة العلاقات المصلارية السعودية إلا أنه في حالة حدوث أي من التقلبات السياسية في المستقبل فبطبيعة الحال سينعكس ذلك على حجم الاستثمارات وسكون له تأثير كبير.
- من الصعب معاملة المستثمر السعودي على أنه مستثمر مصري فيما يتعلق بموضوع الأرباح، وذلك باعتبار أن المستثمر المصري على الأغلب سيحتفظ برأس ماله في مصر لكن نظيره السعودي فمن المحتمل بشكل كبير أن يقوم بتحويل أرباحه بالدولار سنويًا، وهو الأمر الذي يعني أن مصر سيكون عليها توفير دولار من السوق لمساعدة المستثمر السعودي في تحويل أرباحه، وهو ما يشكل ضغطًا على سعر الجنيه المصري، الذي يعاني بالفعل من انخفاضات موجعة
- عدم توافر آلية لضمان توجيه هذه الاستثمارات لإنشاء مشروعات جديدة وليس مجرد عمليات استحواذ على أصول قائمة بالفعل وشركات رابحة
- بيع حصص لأسهم شركات حيوية تحتاجها مصر، مثل شركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، التي تم بيع 57,3 مليون سهم منها مقابل 7,10 مليار جنيه وبيع 250,1 مليون سهم في شركة «أبو قير للأسمدة» مقابل 7,27 مليار جنيه، فضلًا عن بيع 298 مليون سهم من شركة «الإسكندرية للحاويات» مقابل 3.02 مليار جنيه، وهي شركات هامة في القطاع الصناعي والزراعي للبلاد لا سيما في ظل وقف الاستيراد الحبوب وسلاسل غذائية هامة على إثر الحرب الروسية في أوكرانيا.
وعلى النقيض، يرى بعض رجال الأعمال المصريين أن الاستثمارات السعودية لديها فرصة ضخمة في مصر في ظل ما أنجزته الحكومة من استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتشريعات بما ييسر إقامة المشروعات، وطالبوا بضرورة عقد المزيد من الشراكات حتى تستفيد الدولتان من الإمكانيات التي يتمتعا بها.
حجم التبادل التجاري والتحويلات
قدمت المملكة العربية السعودية بالفعل مليارات الدولارات من الدعم منذ وصول الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» إلى السلطة في عام 2014. ولعل آخرها في حزيران/يونيو، شهدت زيارة اولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، إلى مصر توقيع 14 اتفاقية استثمارية مع المملكة العربية السعودية، تبلغ قيمتها 7,7 مليارات دولار، وتغطي جميع القطاعات والمجالات من لوجستية وصناعية وتجارية وزراعية. وأعلنت مصر والسعودية حينها عن اعتزام المملكة استثمار 30 مليار دولار في مصر.
ووفق بيان للصندوق السيادي السعودي فإن حجم الاستثمارات السعودية في مصر يتخطى أكثر من 32 مليار دولار، وذلك بواسطة أكثر من 6,800 شركة سعودية. في حين تبلغ الاستثمارات المصرية في المملكة 5 مليارات دولار لأكثر من 802 شركة مصرية، وذلك وفق.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، فقد أشارت بيانات لجهاز الإحصاء المصري إلى ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين البلدين بنسبة تجاوزت 62 بالمئة لتصل إلى 9,1 مليارات دولار خلال عام 2021، مقارنة بالعام السابق له.
وبلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بالسعودية 11,2 مليار دولار خلال العام المالي 2020-2021 بارتفاع قدره 17 بالمئة عن العام المالي السابق له.
لماذا مصر واجهة السعودية المفضلة؟
تزيد السعودية من حجم استثماراتها في مصر باعتبار مصر من أسرع الاقتصادات نموًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن عمليات الاستحواذ تتماشى مع هدف (SEIC) للاستثمار في القطاعات الواعدة، وذلك وفق ما ذكره صندوق الاستثمارات العامة، الأربعاء، الموافق 10 آب/أغسطس.
أما بالنسبة للجانب المصري، فكانت قد أعلنت الحكومة المصرية في نيسان/أبريل أنها تسعى لجذب استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في كل من السنوات الأربع المقبلة، في إطار برنامج لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد. ويأتي ذلك في ظل سعي مصر لتمويل عجز ميزانيتها وسط ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة وحذر المستثمرين الواسع من الأسواق الناشئة، لا سيما بعد أن بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة وأدت حرب أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع وانخفاض عائدات السياحة.
تجدر الإشارة إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودى، يعتبر الصندوق الخامس عالميًا فى حجم الاستثمارات، بمحفظة استثمار تبلغ حوالي 620 مليار دولار.
خلاصة القول إنه على الرغم من أن تزايد الاستثمارات والمشاريع السعودية في مصر، أمر مهم لدعم الاقتصاد المصري -كما تعلن الحكومة المصرية- إلا أن لا يخفي البعض مخاوفهم من أن عمليات الاستحواذ على شركات مصرية كبيرة، والتي تضاعفت في الآونة الأخيرة، قد تزيد من عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ لا سيما مع استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري وزيادة معدلات التضخم وغيرها، مما يوحي بأن تعافي الاقتصاد المصري سيحتاج لمزيد من الوقت والتعامل بحذر كي يشعر الشارع المصري ببعض التحسن وراء هذا الكم الضخم من الاستثمارات السعودية في مصر.