هل تستطيع الولايات المتحدة الانتصار على سورية وإيران وحزب الله معاً وهي التي لم تستطع الانتصار على مجموعات طالبان في الحرب الأمريكية الأفغانية؟
يبين دوغ باندو من كبار رجال الأبحاث الأمريكيين في المركز الأمريكي «ناشيونال انترست» في تحليل نشره في 5 شباط الجاري أن «الحرب الأمريكية في أفغانستان أصبحت أطول حرب في تاريخ الحروب العالمية والأمريكية فهي مستمرة منذ عام 2001 وهاهي تدوم حتى الآن لـ18 سنة فهي دامت أكثر من الحرب الأمريكية- الإسبانية وأكثر من الحرب العالمية الأولى والثانية معاً من دون أن تتمكن القوة الأمريكية من حسمها وتحقيق أهدافها منها».
وبالمقارنة مع الحرب الأمريكية ضد أفغانستان- التي لا يقدم الدعم العسكري للطالبان فيها دول كبرى أو إقليمية- تجد الولايات المتحدة أن سورية تتمتع في حربها على الإرهاب بدعم عسكري من دولة كبرى هي روسيا ودولة إقليمية كبرى هي إيران، وهذا يعني أن أي جيش أمريكي يمكن أن تنشره واشنطن في سورية سيتعرض لحرب نظامية وحرب غير نظامية تشنها عليه منظمات مقاومة مثل «حزب الله» وتحديداً بعد أن هزمت سورية كل المجموعات المسلحة الإرهابية التي جندتها الولايات المتحدة.
وإذا كانت الولايات المتحدة تعد نفسها قوية بسبب انتشار قوات لها في قطر أو غيرها من الدول في المنطقة، فإن أي مجابهة تجري ضد قواتها لن تنحصر في سورية وحدها أو في العراق، بل ستمتد إلى أبعد من ذلك حيث تتمتع إيران بقدرات عسكرية يقترح بعض العسكريين الأمريكيين وضع حسابات كثيرة لها إذا ما وسعت واشنطن رقعة الحرب ضد إيران.
أما مسألة الدعم الأمريكي لبعض الميليشيات في سورية، فهي في نظر جميع الجنرالات الأمريكيين لا تتعدى المصلحة التكتيكية وليس الاستراتيجية، لأن الجميع في وزارة الدفاع الأمريكية لن يقبل بأن يؤدي هذا الدعم- مهما بلغت درجة التمسك الأمريكي باستمراره – إلى حرب إقليمية كبرى في المنطقة، لأنها ستكون في تقدير معظم المسؤولين في القيادة العسكرية الأمريكية غير متوازنة لمصلحة واشنطن بالنسبة للقوى الموجودة في المنطقة.. ولا في قيمة الأهداف التي يراد تحقيقها منها.
ويعترف باندو في تحليله بأن الإدارة الأمريكية لم تتعهد أو تلتزم بالدفاع عن الميليشيات المسلحة لأنها تدرك أن علاقاتها معهم مؤقتة ولغاية تكتيكية وهذه الدرجة من العلاقة لا تجعلها تتخلى عن تركيا بسببها، ولا عن المجازفة بحرب مباشرة مع الجيش العربي السوري وحلفائه لحمايتهم، وهي التي لم تستطع حماية حكومة وجيش أفغانستان من ضربات مجموعات طالبان.
كما أنه من المؤكد أن واشنطن لا تجد لها في منطقة شمال شرق سورية قوى يمكن الاعتماد عليها في القيام بكل مهام الوحدات الأمريكية، ولهذا السبب وغيره سيجد ترامب نفسه مجبراً على سحب وحداته من الأراضي السورية رغم الضغوط التي يريد الكونغرس وصقور وزارة الدفاع فرضها عليه للتراجع عن قراره.
ولن تستطيع واشنطن بعد ذلك عرقلة أي تعاون مشترك سوري- عراقي على امتداد الحدود بين البلدين كما لن يكون في مقدورها منع توسيع هذا التعاون ليشمل روسيا وإيران بعد كل هذه السنوات التي وظفت فيها الولايات المتحدة تحالفها الدولي لنشر إرهاب «داعش» و«القاعدة» ضد سورية والعراق ولم تستطع تحقيق أهدافها.
وربما لهذا السبب اتجه وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو إلى الدعوة لعقد مؤتمر في وارسو، وطلب من معظم دول ما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب المشاركة فيه، لمناقشة الوضع الجديد في الشرق الأوسط، وأعد له خطة عمل لا يبدو أنه سينجح في فرضها أو تجنيد هذه الدول لتنفيذها فحتى حكومة وارسو نفسها أعلنت أن هذا المؤتمر لن يستهدف إيران أو سورية، بل يسعى إلى بلورة أفكار عن الوضع في المنطقة بعد هزيمة «داعش» والمجموعات المتحالفة معها.. ولذلك لم يعد الزمن وظروفه يخدمان أهداف الولايات المتحدة- ومن خضع لسياستها من بعض دول المنطقة تحديداً- بعد عجزها عن حسم أكبر وأطول حروبها في أفغانستان.