كلّ الانظار تشخص نحو طهران الآن باعتبارها «الجائزة الكبرى» التي حلم جورج بوش الإبن بها وقت غزو العراق، بينما يسعى ترامب للحشد ضدها ممنياً النفس بالاستحواذ عليها من بوابة النووي.
ليست الحرب المباشرة بالضرورة، لكنها المواجهة الشاملة في مختلف الساحات ضرباً في الأعناق مرة، وبالحروب الناعمة مرات، ولكن بالوكالة دوماً.
في المقابل سنظلّ نطاردهم حيثما وطأت أقدامهم فيما هم يتفلّتون.
يمكرون في العراق ويمكر الله في لبنان والله خير الماكرين في سورية وفلسطين بوضوح أكثر والحرب سجال.
اتجاه البوصلة دائماً هو المهم، فأميركا «المحاربة» تستعد للانسحاب المرّ من الشام رغم ضجيج سيوفها هناك. والعثمانيون من رجالها يلملمون غزواتهم والمتخلفون من الأعراب ردّوا على أعقابهم حتى الربع الخالي، فيما يبقى السوريون أطواداً أصلهم ثابت وفرعهم في السماء!
دخول الحشد الشعبي للبرلمان العراقي بقوة هو الخبر، وليس حصول بعض الهجين على عدد مقاعد أكبر، سرعان ما سيتفكّك ولن يصمد طويلاً في الاختبار.
المستعجلون في إعلان تفلتهم من محور المقاومة مغفّلون ويظنون أن الميادين والساحات «مزارع بصل..!»، ناسين أن الذي أخرج الأميركيين مرة يستطيع إخراجهم مرة والى الأبد!
عندما يؤذن الفجر في كل حواضر ومدن العراق وأريافه تماماً كما هو الحال في مدن وحواضر بلاد الشام سنعرف مَن هو على الحق ومَن هو مرجف في الريف والمدينة، إنه نصر الله…
على الرغم من أن النظرة الأولى للسياسة الأميركية الترامبية في منطقة غرب آسيا تُوحي بعدم وجود استراتيجية أميركية واضحة في هذه المنطقة، إلا أن نظرة متعمّقة وشاملة لحركية السياسة الأميركية يجب أن تقودنا الى حقيقة لا تقبل الشك، ألا وهي أن السياسة الأميركية الحاليّة ليست سوى استمرار للسياسة الأميركية المعروفة بسياسة تغيير الأنظمة السياسية بالقوة.
تلك السياسة التي كان يُطلق عليها في بداية ثمانينيات القرن الماضي عقيدة ريغان.
فما هي عقيدة ريغان؟
إنها سياسة الولايات المتحدة الهادفة الى فرض سيطرة الولايات المتحدة على ما تسميه بمنطقة الشرق الأوسط عن طريق استخدام القوة العسكرية الهادفة لتغيير الأنظمة السياسية. وهي العقيدة التي بدأ تطبيقها بالتعاون بين الولايات المتحدة وقاعدتها العسكرية المتقدمة في المنطقة وهي «إسرائيل».
والتي بدأ تطبيقها من خلال العدوان الإسرائيلي الواسع على لبنان سنة 1982، في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان ووزير حربه ألكسندر هيغ، حيث حاولت الولايات المتحدة، بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان واحتلال عاصمته بيروت في خريف ذلك العام، حيث حاولت أن تغير الوضع السياسي في لبنان من خلال إخراج قوات الثورة الفلسطينية من هناك وفرض رئيس متحالف مع «إسرائيل» على هذا البلد العربي الذي كان يحتضن الثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية الصاعدة ومن ثم فرضت على لبنان اتفاقية «سلام» مع «إسرائيل»، بعد أن كانت قد أرسلت قوة كبيرة من المارينز الأميركيين ملبسة إياهم ثوب قوات حفظ السلام. تلك الاتفاقية التي اطلق عليها اتفاقية ١٧ أيار والتي أسقطت بعد اغتيال ذلك الرئيس المفروض.
ما أدى عملياً الى فشل المشروع الصهيوأميركي في إخضاع لبنان للهيمنة الأميركية.
وهذا بالضبط ما يمكن أن يطلق عليه حالياً عقيدة ترامب – نتن ياهو والمتمثلة في محاولة هذا الثنائي، بعد أن فشلت الولايات المتحدة و»إسرائيل» في إسقاط الدولة الوطنية السورية والهيمنة عليها وإخضاعها لإرادة المعسكر الصهيوأميركي وضرب حلف المقاومة، نقول محاولة هذا الثنائي تطبيقه من خلال اقامة تحالف «عربي» / صهيوني لضرب إيران وتغيير نظامها السياسي عن طريق القوة.
حيث ترمي الولايات المتحدة، من وراء محاولاتها هذه الى محاربة إيران وضرب حلف المقاومة من دون أن تشارك في الحرب مباشرة، بل عن طريق تشكيل تحالف إسرائيلي سعودي مصري أردني خليجي لتنفيذ العدوان على إيران بتمويل عربي ومن دون خسائر أميركية، على أن تعود بقواتها الى كل من سورية والعراق وإيران لابسة ثوب قوات حفظ السلام، تماماً كما فعلت في لبنان بعد اجتياحه من قبل الجيش الإسرائيلي في العام 1982.
ومن أجل خلق الظروف المؤاتية لتشكيل التحالف العدواني المشار إليه أعلاه فإن الدوائر الصهيوأميركية قد لجأت الى خطوتين أساسيتين هما :
أولاً: طرح ما أطلق عليه صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات بين «إسرائيل» والدول العربية.
ثانياً: الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وتصعيد المواجهة معها.
الأمر الذي واجهه الشعب الفلسطيني، مدعوماً من حلف المقاومة، برفض مشروع صفقة القرن والشروع في مقاومته بكل الوسائل المتاحة.
تلك المقاومة التي تجلّت في مسيرات العودة في كل أنحاء فلسطين وبلدان الشتات الفلسطيني. وهو ما شكّل ولا يزال رسالة مكتوبة بالدم إلى كل مَن يعنيه الأمر بأن الشعب الفلسطيني ومعه حلف المقاومة لن يتوانى لحظة عن خوض حرب شعبية طويلة الأمد لإسقاط هذا المشروع، كما أسقطت مشاريع تصفية القضية الفلسطينية السابقة.
وهذا يعني أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة و»إسرائيل» من تآمر على حلف المقاومة لن يستطيع إحداث أي تغيير في موازين القوى القائمة في الميدان كما أنه لا يستطيع توريط روسيا في حرب استنزاف في سورية. وذلك بسبب الجهوزية العالية لقوات حلف المقاومة، سواء في الميدان السوري او غيره من الميادين، الى جانب الاستعداد الكامل للردّ على هذه المشاريع بانتقال قوات حلف المقاومة الى تنفيذ المرحلة النهائية للهجوم الاستراتيجي لقوات الحلف، وذلك بنقل المعركة الى داخل فلسطين المحتلة والسيطرة ليس على الجليل فقط، وإنما تمزيق «إسرائيل» وتفكيكها ككيان احتلال مقام على أرض فلسطين وحلّ القضية الفلسطينية طبقاً لمشروع وإرادة المقاومة وإعادة الشعب الفلسطيني إلى أرضه طبقاً للقوانين والقرارات الدولية وخروج الولايات المتحدة من هذه المغامرة مهزومة ضعيفة، تماماً كما خرجت بريطانيا التي كانت عظمى من الحرب العالمية الثانية، ومن دون أن تكون لديها القدرة على مواصلة عمليات الحشد الاستراتيجي الذي تنفذه حالياً ضد الصين وروسيا على المدى البعيد.
وهذا يعني أن المعركة التي يخوضها حلف المقاومة حالياً هي معركة الدفاع عن موسكو وبكين أيضاً تماماً، كما هي معركة حماية دمشق وبيروت، كما انها المعركة التي ستضع حداً نهائياً لسيطرة الولايات المتحدة على مقدرات دول وشعوب العالم وانعتاق هذه الشعوب من الهيمنة الأميركية، تماماً كما انعتق الكثير من دول العالم من الاستعمار البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من عجز الولايات المتحدة وأذنابها الإقليميين، بمن فيهم قاعدتها المتقدمة «إسرائيل»، عن تفادي هزيمة نكراء إذا دخلوا في مواجهة عسكرية مفتوحة مع إيران وبقية أطراف حلف المقاومة، إلا ان خطر قيام الرئيس الأميركي ترامب بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية يبقى قائماً، وذلك بسبب الثغرات التي يعاني منها الدستور الأميركي، خاصة المبدأ الذي يطلق عليه: مبدأ الإخلاص للقيادة المدنية للبلاد والمسمى بالانجليزية Loyalty to the civil ruleوالذي يتيح للرئيس الأميركي المجال لإصدار أوامره لقادة او لقائد صواريخ نووية بإطلاق هذا السلاح ضد أهداف لدولة اخرى. وهذا ما قاله قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ، الأدميرال سكوت سويفت Scott Swift، بتاريخ 1/7/2017، حيث قال في مؤتمر أمني بأنه جاهز لتنفيذ أمر الرئيس بإطلاق صواريخ نووية ضد الصين، إذا صدر له مثل هذا الأمر. مما يعني أن عمليات الحشد الاستراتيجي ضد روسيا والصين، المشار اليها أعلاه، هي ليست عمليات ردعية فقط وإنما هي عمليات يوجد مَن هو مستعدّ لتحويلها حقيقة مروعة.
لذا فإن الخطر الذي يهدّد البشرية لا يسببه السلاح النووي الإيراني المزعوم وغير الموجود أصلاً، وإنما السلاح النووي الأميركي الموجود والجاهز للإطلاق والواقع تحت مسؤولية مجرمي حرب لا يتورّعون عن ارتكاب الجرائم. الأمر الذي يلزم المجتمع الدولي بالعمل على نزع هذا السلاح المدمّر من يد الإدارة الأميركية الرعناء قبل أي شيء آخر.
لقد حان وقت الحساب، وسيف العدالة أخذ يقترب من بعض الرقاب، وثلاثية الموت الوهابية الصهيونية الاستكبارية باتت في مرمى نيران رجال الله!
بعدنا طيبين، قولوا الله…
الوسومالاتفاق النووي الامبراطورية محمد صادق الحسيني محور المقاومة
شاهد أيضاً
الحروب اللا أخلاقية .. بايدن شرطي العالم ونتنياهو وكيله المعتمد…بقلم م. ميشال كلاغاصي
من جديد تُثبت يوميات الحرب والعدوان والصراعات والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط حجم العار الأخلاقي …