بقلم: د. نعمان المغربي
الوصية الإلهية الأخيرة في التحريض على إسقاط «قرية» «أبوّة اللهب» الرجالية و«حمل الحطب» النسائي
- السور الشقيقات: سورة الماعون، سورة الحشر، سورة التوبة، سورة القصص (المقطع القاروني)، سورة المائدة.
- يَملك «المال» و«المَكْسَب» وهو «تابٌّ»!!
– «التّبُّ»: الخَسَارُ. والتّبَابُ: الخسران والهلاك.
﴿يَدَا﴾ أبي لهب الإثنتين يعيشان هذا الثباب : ﴿تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَب، وَتَبَّ﴾ (سورة المسد، الآية1). «تَبَّتْ» «يداهُ» الآن، ﴿وَتَبَّ﴾ أُخرويًّا، لأن جهنم ﴿لمحيطة بالكافرين﴾، منذ لحظة محاربة الحق إلى الآخرة، إنْ لم تكن «التوبة» التي تُطفئ «جهنّم» بالدُّنيا. فما ﴿أَغْنَى﴾ عنه شيء وهو «التّابُّ».
– ما هما هذان «اليدان»؟
تجيبُ الآية 2 بقولها: ﴿مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ: مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ﴾ ف﴿يَدَا﴾ «أبوّةِ اللهب» هما: مَعَاشُه «المالي» (النقدي) ومَعَاشُه «الكسبي» (معاشه الحقيقي).
- مَنْ هو «أبو اللّهب»؟ وما هي «أبوّة اللّهب»؟
حسب سورة المسد، «أبو لهب» هو الأكثر «تبابًا» في «القَرْية» الطاغوتية. وهو الذي «يُلْهِبُ» المَعَاش، بِوجْهَيْهِ (المالي والكَسْبي)، أي يَجْعَلُهُ في ﴿نَارِ﴾ «البَخِسِ» لعمل «المستضعفين»، أي فائض القيمة. قال رسول الله (ص): «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غُلُول»؛ «(…)و رِبَا الجاهلية موضوع» (خطبة الوداع).
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا، إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَاراۖ﴾ (سورة النساء، 10). و«اليتيم» (كما في تدبرنا بسورة الماعون) إنما هو المُنْقطِع عن الدورة «التَّقْرَوِيّة» (=الاجتماعية) والدورة المَعَاشية.
و من نتائج هذا«اللهب» المعاشي: «لهب» الأسعارِ التي يتحكم فيها «آباء اللهب»
فـ«النار» ليست مقولة أخروية بَحْتةً، بل هي مقولة وُجودية، تبدأ بالدنيا، لتنتهي في الآخرة. تبدأ في الدّنيا دون وعْي بها (ربّما)، لتنتهي في الآخرة بوعي: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَاراۖ، وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرا [أي نارا سيشعرون بها في الآخرة]﴾ (النساء، 10).
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ (العنكبوت، 54؛ وسورة التوبة، الآية 49). فجهنم – بمعطيات الجملة الإسمية الحاملة للتأكيد- قارَّة منذ الآن بـ«الكافر»، أي الذي يرى الحقيقة رأيَ العيْن ويَجْحَدُ بها.
ويُعرّف المربّي العارف ابن عربي «الكافرين» في تفسيره للآية 54 من سورة العنكبوت (﴿يَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ﴾): «المحجوبين عن الحق لكونهم مغمورين في الغواشي الطبيعية والحجب الهيولانية، بحيث لم يبق فيهم فرجة إلى عالم النور فيستبصروا ويستضيئوا بها ويتنفسوا منها فيترَوّحوا فيها»[1].
إنّ «أُبُوَّة اللَّهَب» من صُنْع أصحاب المركزية المَعَاشية (=«الدُّولة»)، «ملهِبي» «نَار» «القَرْية»، أي فِتْنَتِهَا وانقسامها، مما يجعلها تمتد لتأكله هو أيضا بالآخرة.
- مِذْحَج ابن عبد المطلب أحد مصاديق «أبوّة اللّهب»:
لقد سمّى الصدّيقُ عبدُ المطلب(ع) أبناءَه بأسماء توحي بالنصرة للدين الموعود وصاحبه القادم. فكان منهم من يحمل أسماء الأسد (الحارث، العبّاس، الحمزة…)، وكان إسم أحد أبنائه: «مِذْحَج»، أي النصير باللغة اليمانية. وقد كان «مِذْحَج» يَعرف الحقيقة المحمدية من أبيه (ع). وكان فرحه بولادة النبي (ص) عظيما. ثم كان أحد المتناوبين، مع إخوته، على حِراسة الطفل الذي سيصبح رسولاً.
ولكنّ إغراء «الجاه» الأمويّ والتصاهر مع ذلك «المال النّاري» جعلاهُ «يجحد» الحقيقةَ المحمدية والدين الإلهي، فأصبح من أعداء النبي (ص)، واعيًا بأنه «كافر». ولا «كُفر» إلا إذا كان المرء واعيًا بأنه «كافر». فغيّر إسْمه، تَقَرُّبًا من «المِلّة» الأموية، منْ «مِذْحَج» (=النصير، نصير الله، نصير محمد) إلى «عبد العزى» (نصير آلهة قريش، نصير الملة الأموية وعزتها).
***
3_1. ما معنى أن يغير«مِذحج» إسمه إلى «عبد العُزّى»:
إن تغيير الإسم يعني تغيير الهوية.
فـ«العُزّى» هي مؤنّث «الأعزّ». هي النفس التي تدّعي، بوعي(حالة «الكفر») أو بلا وعي(«مرض نفسي»)، أنها الإله: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ!﴾ (سورة الفرقان، الآية 43)، ﴿فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (سورة النازعات، الآية 24)، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ، أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِ. فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ (سورة البقرة، الآية 206). هنا تحتكر الذات الفردية أو الجماعية، «العزّة» من دون الناس، ومن دون كل الشعوب، وهنا يبدأ السعي لـ«قهْر» الآخر… بينما: ﴿فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ (سورة فاطر، الآية 10). فحقنا وواجبنا في «العزة»، يجب أن يكون ﴿بِاسْمِ الله﴾، أي باسم «العزة» الجامعة، «العزة» الإلهية..
فعبادة «العُزَّى»، إنما هي عبادة النفس، التي أخذتها ﴿الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ﴾ (سورة البقرة، الآية 206)[2].
فلقد «آوى» مِذحج هُوَوِيًّا إلى ﴿جَبَلٍ﴾، وهمي هو «جبل» ﴿ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِ﴾. فأصبح «عبدا لـ«العزى» أي لذاته المنخرطة في المَعاش «الدُّولي» «الاستكباري» أي المتحالف مع «الاستكبار الرومي» المستمر إلى اليوم في مراحله القصوى بـ«اوتاده» «الأعرابية».
***
3_2. «لَهَبِيّة» مِذحج تصل إلى حدودها القصوى:
لقد وصلت لهبية مدحج الأبوية إلى الحدود القصوى في محادّة «المرسل» و«الرسالة» العالمية و«الرسول» ﴿الأمي﴾ (=المرسَل إلى جميع الأمم).
فلما استضاف النبي (ص) بني هاشم لكي يقدّم لهم رسالته من الله تعالى، حاوَل مِذْحَج أن يُفْسد الاجتماع، فقال: «تبًّا لك سائر اليوم! أما دَعَوْتَنا إلاّ لهذا!»[3]. ولمّا عرض عليهم عليًّا (ع) خليفةً ووصيًّا، استهزأ «مِذْحَج»، وهو الذي يعرف مَقَام الإمام علي (ع) كما يعرف أبناءَه. روى البَغَوي، عن الإمام علي (ع): «لما نزلتْ ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ﴾» على رسول الله (ص) (…) فقام القوم يضحكون، ويقولون لعِمْران [=أبي طالب] (ع): «قد أمرك ابن أخيك أن تسمع لعلي وتطيع!»[4]. و ذلك تحث تأثير «مِذْحَج».
هنا، كافأ الله تعالى «مِذْحَج» بما فعله واعيا. فقد قال: «تبًّا!» لرسول الله (ص)،مفسدا الإجماع الهاشمي. فكافأه الله تعالى بـ«تباب» هو الذي عَمِلَهُ لنفسه: ﴿وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدا﴾» (سورة الكهف، الآية 49)، ﴿كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ﴾» (سورة المدثر، الآية 38).
كان مِذْحَج بن عبد المطلب (ع)، كابْن نوح (ع). فبعد قرون من صبر «الأئمة» من «ذرية» إسماعيل بن إبراهيم، نجد بعض البنوّات الجاحدة: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِل يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ، قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَل يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ [ =«جبل» الجاه الأموي و المَعاشِ«اللّهبي» في هذا السياق]. قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ، إِلَّا مَن رَّحِمَۚ. وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ، فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ﴾» (هود، 42 و43). فلقد كان مذحج وزوجُه، من مصاديق «الظالمين» في هذه «الذرية»: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(سورة البقرة، الآية 124).
- مَن هي «حَمّالة الحَطب»؟ وما «حَمْلُ الحَطب»؟
قال سيدنا محمود الطالقاني: «إن الإشارات والتعابير التي جاءت في هذه الآيات غير محدودة، وتعرض عاقبة السوء وأوصاف كل رجل وامرأة «يُلْهِبان» النار ويُثيرَانِ الفِتن بوجه دعوة الحق والخير»[5].
|
تَعْتَبِر سورة المَسد أن بداية «اللّهَب» المَعَاشي (فالأخروي) إنما هي بداية ذكورية. فلها «أبٌ» دون «أم». ولكنّ تلك البداية غير ممكنة الاستمرار دون مسَاعدة إناثية «مخلدة إلى الأرض» (=دون «حَمْلُ الحَطب») لكي يستمرّ ذلك «اللّهَب» «التّقْرَوِي»[6]. فلا بد لها من مساعدة إناثية نشيطة، واعية، أي «جاحدة» (=«كافرة»).
وحتى في الحالة التمردية غير «الكُفْرية»، يبدأ التمرّد البشري غير «الكُفْري» على الله (مرض نفسي، نِفاق…) ذُكوريًّا، ولكنه لنْ يتأجج ولَنْ يستمرّ دون «حمل الحطب» أي المساعدة الإناثية «الشيطانية». وبذلك تكون المسؤولية الذكورية والمسؤولية الإناثية عن الخطيئة مشتركة.
ها هو آدم البيولوجي، يبدأ هو التفكيرَ في الخطيئة، ولكن شجاعته عليها لم تجتمع، دون وقوف زَوْجِهِ. قال تعالى: ﴿فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَٰنُ﴾، ﴿وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾ بدايةً. ولكنها تأثرت بغوايته، وشجّعتْهُ: ﴿ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتُ بَعْضُهُم مِّنۢ بَعْضٍۢ ﴾، فكان اشتراكها معه.
﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡما (115) وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوّ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰٓ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعۡرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ (119) فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَٰنُ قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡك لَّا يَبۡلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ (121) ﴾ (سورة طه).
قال ابن عربي: «﴿وَامْرَأَتُهُ﴾، أي متقارنيْن[7] فيها». و﴿حَمَّالَة الحَطَب﴾: «أي التي تحمل أوزار آثامها وهيئات أعمالها الخبيثة، التي هي وَقود نار جهنم وحطبها»[8]. وباعتبار أنها هي التي جعلت الذكورية «اللهبيّة» (=«الدُّولية»-الاستكبارية) أقوى وأشدَّ، فإنَّ «الحبْل» الأفعاليّ التي جمعت به «حَطبَ» «التّقارنِ» مع الذكورية «اللَّهبيّةِ» لتقويتها وتأجيجها، سيكون عليها «مَسَدًا»، أي «الحبل المظفور، المحكم الفَتْل»[9] على «جِيدها»، أي سيعدم إمكانية «عِلِيَّةِ»[10] روحها: ﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَة﴾ (سورة الأنفال، 36).
وذلك لأن ذلك «الحبْل» لم يَعْضُدْ به «الحَمْلُ الحطبيُّ» «اللَّهَبيّةَ» الذكوريةَ فحسب، وإنما كان «مسدًا» حول «رقبتها» الأنطولوجية، يعيقها عن «الطّيْريّة»[11] الإنسانية و«الإرساليةِ» (=الحرية «الوَسْيوِيَّة»[12]). فقد «فُتِل فتلاً قويًّا من سلاسل النار، لمحبتها الرذائل والفواحش. فربطت هيئاتها وآثامَها بذلك الحبل إلى عنقها تعذيبًا بِما يُجانس خطاياها»[13]: ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. فالإنسان هو الذي يحدّد مصيرَه بنفسه، إذ جزاؤه مِن جنس عمله.
و من أهم مصاديق «حمل الحطب» أهم ﴿امْرَأَتَيْن﴾ في قوم نوح و قوم لوط: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (سورة التحريم،10). و «النار» التي أججتها المرأتان المسلمتان ضد سعادة قوميهما، بل سعادة ﴿العَالَمِين﴾ جميعا، هي نفسها «لهبيّة» مِذحج و أخت أبي سفيان جوهرا[14]، بل أخطر، إذ كانت تتَطَلّبُ إطفاء الله تعالى وملائكته «متظاهِرِين»: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾.
- أُمُّ جميل بنت حَرْب الأموية مِصْدَاقًا مِنْ مصاديق «الحَمْلِيَّة للحطب»:
«الحَمْلية للحطب» هي المساهمة الإناثية في «اللّهبيّة» الاجتماعية، المناوِئة لـ«دعوتنا لِمَا يُحيينا» التي تقودها «النبوّة» وخلافتها. فـ«الجِيدُ» رمز الجمال والتجمل لدى المرأة والكنايةٌ عن إمكانية «الروح» المتعالية، أصبح بأفعالها الشيطانية كنايةً عن القبح الوجودي، لأن «حمل الحطب» أعدمها.
- كان الناس يعتقدون أن أرْوى بنت حَرْب الأموية (أخت أبي سفيان)، جميلةً، حتى سمّوها «أم جميل»، ولكنّ الله بيّن قِصَر بَصَرهم، فبيّن قبحَها «الجهنّمي»: «لها صياحُ وَلْوَلةٍ» يخرج من ﴿جِيدِهَا﴾؛ وكان «بيَدها فِهْر[15]، تريد ضرب الرسول (ص) به، وهي تقول: «مُذَمَّمًا أبَيْنا ** ودِينَهُ قَلَيْنا ** وأمْرَهُ عَصَيْنا!»[16]. و«كانت تضع الشوك في طريق رسول الله»[17]، وأنفقت قلادتها الفاخرة في الدعاية ضد النبي (ص).
وقد كانت الطفلة السيدة فاطمة بنت محمد(ص) كلّما وضعت تلك «الحمَّالة للحطب» الوُجودي أشواكًا على طريق رسول الله(ص)، هزتها بيديها الصغيرتين؛ وكلما رَمَتْهَا «الحمَّالة» على وجهه الشريف مسَحَتْها البَتُولُ عنه، رافعةً جأشَهُ بكلمات الحنان والعطف، ومُلقِية أَسِنَّةَ خطابها على «الجاحِدة» (التي تعرف الحقيقة المحمدية جيّدًا وتحاربُها!).
- تأليفة أَكْبَرية استبْطانيَّة:
- ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ﴾: «هلك ما هو سبب عمله الخبيث الذي اسْتَحَقَّ به الجهنميَّ الملازمَ لنار الهلاك، وهلكتْ ذاتَهُ الخبيثةُ، لاستحقاقها بحسب استعدادها»، «أي استحق النار لذَاتِهِ، وبوصفه نارًا على نار. ولذلك ذَكَرَهُ بكنيته الدالّة على لزومه إياها»[18]. فقد أصبح فعله «اللّهبيُّ» بـ«جُحُوده» العميق، «نارًا» مُلْتَهِبَة، بَعْد أنْ أصبح «أباها».
- ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب﴾، «أي ما نَفَعَهُ ماله الأصلي من العلم الاستعدادي الفطري، ولا مكسوبَهُ، لعدم مطابقة اعتقاده لما في نفس الأمر. وكلاهما متعاونان في تعذيبه، وما يجدي له أحدهما»[19].
- ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب﴾، «زائد على أصله، لخُبْثِ أعماله وهيئاتها. فيصْلى بالاعتقاد الفاسد والعمل السيء»[20].
- خُلاصة:
- «اللَّهيبّة» هي فتنة «القرْية» الشيطانية، إذْ تخضع إلى «أبوة لَهَب»، وإلى «آباء لَهَب»؛ أي إلى مركزية «دُوليَّة» في «اليَدَيْن» المَعَاشِيَّيْن: «المال» و«الكَسب». فـ«الكُفر» هو دائمًا ذو قاعدة مَعَاشية – لهبية: «كاد الفقر يكون كفرا». «لو كان الفقر رجلا لقتلتُه».
- لا تأجّج لهذه «اللّهيبّة» ولا تنامٍ في قوة «آباء اللَهَب»، إذا لم يجدوا «حَمْلاً للحطب» الوجودي والاجتماعي، أي دَعْمًا إناثيًّا «جُحوديًّا». و تندرج في هذا السياق الدعوة الجنوسية المعاصرة ذات التذكّر «اللَّهبي» الحامل لـ«الحطب» الإمبريالي.
- إنّ «نار» «آباء اللَهَب» و«مَسَدِيّة» «الحاملات للحطبية» الأخروية، هي مآلٌ طبيعي لمراكمة الأفعال الذكورية والأنثوية «الكُفريّة» المتحالفة.
- إنْ أردنا «قرْيَةً» «صالحةً»، «طيبة»، لا مَنَاصَ من قطْع اليَدَيْن المَعَاشيتين الدُّوليَّتيْن بـ«المال» و«الكسب» لـ«آباء اللَهَب» بمجتمعنا.
النتيجة:
من المستحيل إقامة «قَرية» الإسلام [=مجتمع الإسلام] دون الثورة على «قَرية» «أبوة اللّهب» الرجالية و«حَمْل الحطب» النسائي المؤجّج لذلك «اللّهب» بين الطبقات و بين الجنسين وبين الأمم، المانعيْن لإمكانية تحالف «المستضعفين» ضد الإمبريالية و الصهيونية.
[1] ابن عربي، تفسيره لسورة العنكبوت.
[2] راجع تدبرنا في سورة النجم.
[3] رواه مسلم والنسائي والبخاري.
[4] رواه البغوي في «معالم التنزيل»، دار الفكر، بيروت 1405 هـ، ج4، ص278/279.
[5] الطالقاني (محمود)، إشراق من القرآن الكريم، مؤسّسة الهدى، طهران، 1379هـ.ق، ج4، ص314.
[6] «التَّقْرِية» هي السيرورة «القروية». و «القرية» هي النمط الاجتماعي.
[7] «التقارُن» هو التحالف الشديد مبدأً وتنسيقا.
[8] ابن عربي، م. م…
[9] ابن منظور، مادة: «مَسد».
[10] انظر تدبرنا في سورة النازعات.
[11] راجع تدبرنا في الكيان السُّوَري «الفيل والقُرَيش».
[12] انظر تدبرنا : ««المُوسَى» و «الوِسَايَةُ» مقُولةً في القرآن الكريم».
[13] ابن عربي، م. م.
[14] انظر تدبرنا في الكيان السوري «النور و التحريم»، و تدبرنا في سورة الطلاق. و انظر تفهمنا للجنوسة القرآنية في تدبرنا لسورة النساء و سورة مريم.
[15] الفِهْرُ: الحجَر.
[16] رواه الحاكم.
[17] رواه ابن هشام.
[18] و6 ابن عربي، تفسير سورة المسد.