تدخّلت أمريكا في شؤون دول العالم بشكل سافر، لم تعد تتحمله الدّول الحرّة، عسكريا وسياسيا وإقتصاديا وإعلاميا، ولا تزال تمارس أساليبها الخبيثة والقذرة في نفس الوقت، منذ أن فرضت هيمنة سياستها الخارجية على دول العالم الثالث، وحتى أوروبا التي رغم قوتها الاقتصادية وأساليبها الاستعمارية، رضخت بدورها للإرادة الأمريكية، تبيعة صاغرة له بكامل اتحادها، فلم تجرؤ على معارضة تدخّلاتها في شؤون الدّول الأخرى، والمستعمر والمستكبر توأمان نزلا من رحم شيطنة الجنس الغربي الأبيض، وهذه طبيعة جبل عليها، ومع ذلك فهو بمنظومته التي ألّفها، يحاول أن يظهر بمظهر المصلح المدافع عن حقوق الإنسان.
ما درج على لسان الخارجية الأمريكية تعابير متفاوتة، بين تشويه الدول في مجال سياساتها الداخلية، بلغة متفاوتة في مصطلحاتها، بين الإنشغال والقلق بالنسبة للدول التي مازالت لهم مصالح فيها، وعلاقاتهم بينها وبينهم قائمة، وإلى حد الإدانة، بالنسبة للدول التي فقدت السيطرة عليها، ولم يعد لها ما كانت تحظى فيها من اعتبار.
مخاوف أمريكا وانشغالها مما يحصل في تونس، منذ بدء الإجراءات الإستثنائية، من تجميد البرلمان وحلّه، وما تبعه من مراسيم، ليس لهما من تفسير، سوى أن أمريكا درجت على حشر أنفها في شؤون دول العالم، وهي في حقيقة الأمر بتدخلها لا تتمنى لها الخير، وتسعى بسياساتها للسيطرة والهيمنة عليها تحت أي عنوان كان، ولو اقتضى الأمر إلى اعلان حرب عليها، فمصلحة أمريكا فوق كل اعتبار انساني، وحساب المصالح الأمريكية ليس لها سقف تنتهي دونه لتتوقف عنده.
فقد قال الناطق باسم وزارة الخارجية (نيد برايس) للصحفيين إن الولايات المتحدة تعرب عن “مخاوف من أن يتضمن الدستور الجديد ضوابط وتوازنات ضعيفة قد تقوّض حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.وأضاف أن الولايات المتحدة لاحظت أن “مروحة واسعة من المجتمع المدني التونسي ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية أعربت عن قلقها البالغ في ما يتعلق بالاستفتاء وخصوصا تفشي مخاوف لدى تونسيين كثر على صعيد انعدام الشمولية والشفافية في العملية”.كما أشار برايس إلى “الإقبال الضعيف” و”محدودية أفق النقاشات العامة الحقيقية خلال صياغة الدستور الجديد”.(1)
وأمريكا كما هو معلوم لها عملاء في كل بلد، وتصغي إليهم باهتمام حسب مستوى العمالة التي تصنّفها لدى أجهزتها، وقد كشف عملاء أمريكا بتونس أنهم لا يتورعون في إرباك الوضع السياسي، بتحريض إدارتهم الأمريكية على الإجراءات الإستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، على أساس أنه انقلاب على الشرعية، يمهد لتحول البلاد نحو دكتاتورية الفرد.
اصغاء الإدارة الأمريكية لعملائها، علامة تطمين لهم بأنها تتابع الأوضاع بتونس عن كثب، متجاهلة ماضيها الحديث الذي ينبض فسادا في الارض وإفسادا لدول وشعوب العالم، ونذكّرها إن نسيت، أنها كانت مع حلفائها الغربيين، يساندون ويدعمون طغاة العالم ومستعبدي شعوبها، بما فيهم الدكتاتور بن علي، على حساب الشعب طيلة 24 سنة، وأنّها أحد أهمّ الأسباب التي جعلت التونسيين يكرهون السياسة وانتخاباتها، وأمريكا وتدخلاتها السافرة؟ فهذه التجاوزات إن نسيتها الادارة الامريكية وتركتها وراء ظهر سياساتها، فإن أحرار الشعب التونسي لا ينسون ذلك أبدا.
وفيما (أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، مساء اليوم الثلاثاء في ندوة صحفية بالعاصمة، أن مشروع الدستور الجديد للجمهورية المعروض على استفتاء 25 جويلية، حصل على نسبة تصويت بـ”نعم” بلغت 94 فاصل 60 في المائة، مقابل نسبة تصويت بـ”لا” على هذا النص بلغت 5 فاصل 40 في المائة،وأوضح بوعسكر أن 2 مليون و607 آلاف و884 ناخبا صوتوا بـ”نعم” للنص محل الاستفتاء، مقابل 148 ألفا و723 ناخبا صوتوا بـ”لا” لهذا النص، وبلغ مجمل الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي9 ملايين و278 ألفا و541 ناخبا، وبلغ عدد الاوراق الملغاة إثر انتهاء عمليات الفرز 56 ألفا و479 ورقة، أما الأوراق البيضاء المحتسبة، فقدر بوعسكر عددها بـ17 ألفا و008 ورقة بيضاء.(2)
ما تعلّل به المعارضون للإجراءات الاستثنائية، ضعف نسبة المشاركة في الإستفتاء، مدّعين بأنّها لا تكفي لإضفاء شرعية على الدستور الجديد، لا مستمسك له قانونا، فمن أحجم على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع فقد أسقط حقه في التعبير عن رأيه سواء أكان ضمن تعداد المعارضة، وهو تعداد هزيل مقارنة بمن اقترعوا من أجل بلدهم تونس، أو ضمن من تعوّدوا على عدم المشاركة في أي انتخاب، نتيجة عقدة سببها نظامي بورقيبة وبن علي، وبالتالي لا حجة له في اعتماد تلك النسبة ليوهم بها الرأي العام، على ضعف نسبة المقترعين، واعتبار جميع من لم يقترعوا إلى جانب المعارضة
وفيما تتطاول جبهة معارضة إجراءات الرئيس قيس سعيد، المؤلفة من الأحزاب التي كانت حاكمة ومنتفع أعضاؤها بمناصب في صلب الدولة، ومن كانوا سببا مباشرا في عشرية بائسة، وصَفَها من عاش آثارها السلبية بالسوداء، حيث بلغ بهم التحريض على نتيجة الإستفتاء، بعدما دعوا الى مقاطعته، مبلغ الإستقواء عليه بأمريكا ودول الغرب الإستعمارية( فرنسا وبريطانيا)، ودعواتهم بالتدخل في شأننا الداخلي، ورفض التعامل مع الرئيس الشرعي والمنتخب، وبمعنى آخر الإضرار بالبلاد أكثر مما أضروها من قبلُ، وفي هذا الصدد قال (زهير المغزاوي) أمين عام حركة الشعب، في برنامج ‘ميدي شو’ اليوم الأربعاء 27 جويلية 2022 إن جبهة الخلاص تستقوى بالأجانب، وأن أعضاءها توجهوا أمس إلى صندوق النقد الدولي وطلبوا منه عدم التفاوض مع حكومة نجلاء بودن. وتابع في هذا الإطار ”بعد ما حدث أمس، أقول: أنهم قاموا بتأبين مرحلة كانوا مسؤولين عن خرابها، وهذه المرحلة لن تعود .. فلديهم سوء تقدير لتعاطي الأجنبي مع تونس، في حين أن الأجنبي يعلم كم أنتم منبوذون، ونحن لا نحترم العملاء”. (3)
والنتيجة الحاصلة اليوم هي طيّ صفحة من الخيبات والفشل والعبث والتهريج وتعطيل مصالح البلاد، وفتح صفحة جديدة أعتقد انها ستكون أفضل بكثير مما كنا فيه من إحباط كاد يذهب بنا إلى افلاس دولة بعد أن أطاح الشعب بدكتاتور غشوم، وليتأكّد هؤلاء المجموعين على الفاشلين، بعدما استنفدوا فرص الإصلاح واحدة بعد أخرى، وخيروا بدلا من ذلك، وضع أيديهم مع الفاسدين – وتسجيلاتهم تشهد عليهم – أنه لا رجوع إلى الوراء، ولو طلبوا من أمريكا غزو البلاد فإنها ستخرج مهزومة بفضل شعب، سيكون أكثر إصرار وعنادا، على مواصلة مشوار الإصلاح في جميع مرافق البلاد، بعدما نخرها الفساد.
المصادر
1 – دستور تونس الجديد يثير مخاوف أمريكا!
https://www.mosaiquefm.net/ar/1071759
2 – استفتاء 25 جويلية: نص مشروع الدستور يحصل على نسبة 94 فاصل 60 في المائة من أصوات المقترعين
http://news.tunisiatv.tn /2022/07
3 – زهير المغزاوي لجبهة الخلاص: ‘نحن لا نحترم العملاء
https://www.mosaiquefm.net/ar/print/1071918