الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الحصار والعقوبات ودروس المواجهة؟…بقلم حياة الحويك عطية

كما الأواني المُستطرقة يسير الضغط على دول محور المقاومة بالتزامُن وبالتراتب. وقد لا يكون من قبيل المُصادفة أن تأتي الضربة السيبرانية الموجّهة إلى “ناتنز” في إيران مع زيارة الوفد العراقي إلى لبنان في محاولةٍ لا يمكن أن نقول عنها إلا أنها محاولة لفك الحصار عن لبنان وعن سوريا، ولو رمزياً، كون هذه الأخيرة لن تفيد فائدة مادية كبيرة من مرور الصادرات بين بيروت وبغداد ذهاباً وإياباً. في حين أن الفائدة السياسية المعنوية ستكون تسجيل نقطة هامة على طريق فتح خط: طهران- بغداد- دمشق- بيروت.

خط قال عنه الراحل حافظ الأسد عام 1993 إنه الرد الاستراتيجي على توقيع اتفاقيات السلام مع “إسرائيل”. (وذلك في مقابلة مع ياسر هواري في مجلة “أرابيز” الناطقة بالفرنسية).

رهان يعني ببساطة: إطباق الحصار على جميع الدول الأربع لخنقها وتركيعها، وبالمقابل سعي كل منها لفك الحصار.

الحصار، الإعلام والتركيع كلمات تُعيدنا إلى سنواتٍ طويلةٍ، منذ حصار العراق في التسعينات، بعدما كانت الحرب العراقية- الإيرانية وسيلة “الاحتواء المزدوج” الأميركي، وتُعيدنا إلى خطة طرحها نتنياهو بوضوح في برنامجه الانتخابي في عام 1993، خطة ضرب كل من العراق، السودان، ليبيا، سوريا وإيران، مُعتبراً أن هذا المُخطّط يجب أن يتحقّق قبل عام 2000 وإلا أصبح إخضاع إيران مُستحيلاً. (برنامج نتنياهو تحوّل إلى كتاب بالإنكليزية والفرنسية ونقلته الكاتبة إلى العربية بعنوان: “أمن وسلام – استئصال الإرهاب”).

غير أن السؤال المهم يطرح – ونحن في مواجهة المرحلة الحالية من الحرب المُتمثّلة خاصة في الحصار- حول مدى نجاح كل من هذه الخطط.
عام 2000 لم يأت بما توقّعه نتنياهو بل بالهزيمة الإسرائيلية في لبنان والانسحاب من جنوبه، ومن ثم باندلاع الانتفاضة الفلسطينية.
واشنطن نجحت في احتلال العراق عام 2003 وأرادت أن تجعل منه منصّة لأمرين أساسيين: الشرخ المذهبي السنّي- الشيعي وإطلاق الشرق الأوسط الجديد. نجحت في الأول (وللأسف) وحاولت في الثاني بدءاً من الـ2005 والـ 1559، وللاستكمال كلّفت الدولة العبرية بحرب تموز الـ2006، لكنهما فشلتا معاً.

وانتقلت إلى الضغط السياسي الاقتصادي إلى أن جاءت الثورات المُلوَّنة التي التفّت على حتميّة التغيير في العالم العربي وانتقلت إلى الحروب الهجينة العنفية الإرهابية. لكن الرهان العسكري سقط في أهم بؤره، سوريا، من دون أن ينتهي الصراع الذي انتقل إلى الحرب الهجينة التي تمثل إحدى أبرز خصائص حروب الجيل الخامس.

في هذه الأخيرة يلعب الحصار الاقتصادي، الحرب الثقافية والحروب السيبرانية دوراً مركزياً. لذا كان من الطبيعي والمنطقي أن نراها تجتمع معاً على ساحاتنا، ومن الطبيعي أيضاً أن توظّف التطوّر التكنولوجي.

فهل ستنجح الحروب الهجينة الجديدة في ما فشلت فيه التقليدية؟ سؤال يتّضح أن على جوابه المرور بكل نوع من أنواع الحروب المذكورة، مما لا يتّسع له مقال. لذا فلنبدأ بالحصار، وهنا يعود بنا الأرشيف إلى العام 2007، الذي تلا فشل حرب تموز 2006، ما أدى إلى محاولة الالتفاف عبر وسائل أخرى سياسية (خاصة انتخاب رئيس الجمهورية) وأمنية (خاصة ما تعلق منها بشبكة اتصالات المقاومة).

في هذا العام كان مؤتمر شرم الشيخ الذي طالبت فيه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الدول العربية بتشكيل جبهة ضد إيران، و”رمي ثقلهم في هذه الجبهة على الساحة العراقية لأن إيران تشكّل العائق الأول أمام مصالح الولايات المتحدة في المنطقة”- كما قالت. لأجل ذلك عرض وزير الدفاع روبرت غيتس على دول الخليج شراء أسلحة بقيمة 20 مليار دولار.

هذا الضغط في إيران والعراق تزامَن مع تأجيج الخطاب التحريضي المذهبي السنّي- الشيعي في وسائل الإعلام الأطلسي والعربي التابع له. أما في لبنان فمع الحرب الشرسة على حزب الله بدءاً بشبكة اتصالاته، ومع ظهور تنظيم فتح الإسلام ومعارك مخيم نهر البارد. كما مع الفراغ الرئاسي والصراع العنيف حول الرئيس التوافقي.

مُصطلح عنى ضمناً ألا يكون الرئيس الجديد صديقاً لسوريا وألا يكون مرشّحاً لفريق 8 آذار الذي يضمّ المقاومة. كما عنى أن ترتّب وصوله قطر وفرنسا المُكلفتان أميركياً بالملف اللبناني- السوري. تكليفاً بدأ بمحاولات الاحتواء وانتهى بتمويل النصرة وأعمال التخريب التي تحصل اليوم في بلاد الأرز. هذا في حين كانت سوريا تتعرّض لأسوأ أنواع الضغط من تهمة اغتيال الحريري وسلسلة الاغتيالات التي تبعته وصولاً إلى تدمير ما أعلن أنه مفاعل نووي في دير الزور.

ضغط كان يستهدف اتجاهين: التعاون السوري مع الاحتلال الأميركي في العراق، والإذعان لمعاهدة سلام بالشروط الإسرائيلية. ما يستبطن قطع العلاقة مع المقاومة ومع إيران والمشاركة في حصارها.

في هذه الأجواء كان الحصار على إيران يشتدّ، مع وصول ساركوزي إلى الحُكم في فرنسا وزيارته الشهيرة للولايات المتحدة، زيارة حدّد الإعلام الفرنسي عناوينها بخمسة: العراق- إيران- سوريا- لبنان- دارفور. أما هدفها بحسب الصحف فهو تصحيح العلاقة بين باريس وواشنطن وإعادتها إلى ما يجب أن تكون عليه. وهذا التصحيح كان عنوان حملة ساركوزي الرئاسية، وعليه زار البيت الأبيض والإيباك قبل انتخابه. وهو ما ترجم، بعد أسبوعين من عودة الرئيس الفرنسي من واشنطن، في لقائه السنوي مع الدبلوماسيين الفرنسيين، حيث أعلن “رفضه التام لامتلاك إيران السلاح النووي”.

في هذا التاريخ نشرت صحيفة لوموند تقريراً- دراسة بعنوان: “إيران ذهب أسود وزبائنية”، ويدور حول إمكانية أن تلقى إيران مصير الاتحاد السوفياتي؟ والجواب أن “تركيع الجمهورية الإسلامية يمر عبر طريقين: العقوبات وخفض سعر النفط”.

في هذا التقرير- الدراسة اعتبر خبير الشؤون الإيرانية تييري كوفيل، أن الاقتصاد الإيراني يبدي مؤشّرات إيجابية رغم الأزمات المُتعدّدة والعقوبات، حيث أن النمو متواصل والميزان التجاري جيّد والاحتياطي النقدي مؤمَّن. لكن ليرد تالياً رد سلبي من ديني بوشار، الذي عمل طويلاً كسفير في أكثر من دولة في الشرق الأوسط، قبل أن يعود إلى فرنسا ويعمل في المركز الفرنسي للأبحاث الدولية (IFRI).

اعتبر بوشار أن “مشكلة الاقتصاد الإيراني تكمُن في كونه مؤمّماً يخلق القليل من فُرَص العمل، وكون شركاته تدفع القليل من الضرائب، كما أن الشركات الإنتاجية الحكومية التي تبتلع الدعم الحكومي هي محمية من المنافسة الأجنبية بفعل رفع الرسوم الجمركية على البضائع الأجنبية”.

بعد تحليل طويل وموثّق بالأرقام يصل التقرير إلى أن الاقتصاد الإيراني قادر على الصمود طالما لم يتحقّق أمران: انخفاض سعر النفط الخام وإطباق حصار صارِم على الصادرات والواردات، مُستشهداً بتقرير حول إيران قدّمه عام 2006 لأكاديمية العلوم الأميركية (ASA) روجيه ستيرن الأستاذ في جامعة جون هوبكنز، ركّز على أهمية ضرب الدخل النفطي بما يتسبّب في عدم القدرة على الإنفاق على الاستثمار، بما يؤدّي إلى سقوط إيران عام 2015 ولكنه يردف أن الصقور الأميركيين لا يريدون الانتظار عشر سنوات، تكون كافية لامتلاك إيران السلاح النووي.

في يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني كان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يزور الولايات المتحدة لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة وقبلها في جامعة كاليفورنيا، وكان وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير يزور موسكو سعياً لإقناعها بفرض عقوبات على إيران وتسويق ذلك على أنه “عقوبات لتجنّب الحرب”.

غير أن جميع الضغوط المذكورة كانت تشكّل خطوات في سياق الملف الإسرائيلي، ومن هنا وصل كل شيء إلى عقدة مؤتمر أنابوليس في نهاية 2007 وصلبها: لبنان- المقاومة، سوريا و”إسرائيل”. ما ترجم بالضغط على سوريا للمشاركة في مؤتمر أنابوليس من دون طرح بحث حدودها مع الاحتلال الإسرائيلي. وما يفترض أن يستتبع ذلك من موقفها من المقاومة اللبنانية والفلسطينية وعلاقتها مع إيران.

توقّع انهيار إيران عام 2015، كان مصيره مصير توقّع نتنياهو بانهيارها عام 2000، وتوقّع تسليم سوريا في أنابوليس كان مصيره مشابهاً لتوقّع سقوطها خلال أسابيع عام 2012. وكذلك توقّع انهيار لبنان وشطب مقاومته عام 2006 – 2007.

رغم أن الثمن كان باهظاً للجميع ومتناسباً مع حجم التحدّي. أما الحصار، وهو عنوان المرحلة الحالية، فلا شك أنه يخنق، لكنه لا يحقّق أهدافه – بحسب الدراسة الفرنسية – طالما أن هناك اقتصاداً شبه مؤمّم مدعوماً ومُنتجاً، وطالما أن هناك سياسة حمائية تشكّل له سوراً وحنكة سياسية تدير اللعبة على مستوى محور موحّد في المواجهة والمصير.
(الميادين نت)

شاهد أيضاً

محور المقاومة ….والخطوط الخمر…بقلم ميلاد عمر المزوغي

المقاومون العرب…ندرك ان امكانياتكم محدودة, وتسعون الى رفع الظلم والذل والمهانة عن الشعب الفلسطيني, الذي …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024