بقلم: محسن النابتي |
الحقيقة أن بداية لحظة الفرز القاسية في المشهد السياسي في تونس وفي الوطن العربي بدأت مع شروع حلف الناتو في قصفه لليبيا،فتلك اللحظة كانت صعبة جدا وثقيلة على العقل والوجدان العربيين لأنه لأول مرة في التاريخ تقف النخب والجماهير لا الانظمة فقط مع الاستعمار لتدمير دولة عربية ولأول مرة يطبل اعلام ويرقص سياسيين لصواريخ كروز وهي تضرب المدن الليبية،ولأول مرة تصدر فتوى تدعم عدوان سافر بذلك الشكل لا من مؤسسة رسمية لدولة عربية وانما من مؤسسة اهلية ممثلة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن طرق رئيسه حينها القرضاوي القائلة “لو شهد الرسول حلف الناتو لتحالف معه”
لذلك أعتقد أن قسوة المشهد الليبي على كثير من النخب السياسية العربية قومية ويسارية وغير ذلك لما ظهر برنار ليفي من غرف القيادة السرية لما سمي بثورة 17 فبراير الى العلن مهدت لكثير من المواقف الحاسمة الجريئة في الدفاع عن سوريا،فتلك اللحظة أختبرت فيها معادن المناضلين ومعادن الحركات السياسية فهناك من راجع موقفه وتراجع بشجاعة قائلا بكل وضوح لقد خدعنا؟،وهناك من ظل يراوح في موقف اللاموقف،أما من استمر في دعم الخراب فهم بوضوح الذين اعدوا سلفا لقيادة مشروع الشرق الأوسط الجديد وهم أساسا الاخوان وبعض النخب من عدة مدارس فكرية فيها القومي وفيها اليساري وفيها اللبرالي فهؤلاء استمروا في الدفاع بكل الطرق الممكنة لمدة ثمانية سنوات برغم كل الحقائق والفضاعات.
اليوم انهزم هؤلاء جميعهم في سوريا ولكن الاخوانجية لا يريدون أن تكون ساحقة ماحقة فهم باتوا اقرب لاعلان ما يمكن ان نسميه “استسلام تكتيكي” وقد بدأت حركة النهضة في تونس بهذا الاستسلام التكتيكي لأنها باتت تدرك ان سوريا انتصرت وانها عائدة للجامعة العربية وان الانظمة العربية الاخرى تريد العودة الى وضع بدون اخوان انها تريد ربيع 2019 بدونهم،ولم تبقى الا قطر عربيا وتركيا اقليميا بالنسبة لقطر لن تذهب بعيدا منفردة فقد استفادت سابقا من حالة الانفلات وهي غير قادرة بكل المقاييس ان تقف في وجه كل الدول العربية،تركيا يعرف الاخوان والنهضة تحديدا أن اردوغان أكبر سمسار سياسي عرفه تاريخ المشرق كله وأنه سيبيعهم في أول صفقة مجزية ولكن كلا الدولتين قطر وتركيا تريدان انقاذ ما يمكن انقاذه من التنظيمات الاخوانية ولو بالحد الأدنى لمصالحهما وللعب دور في الترتيبات القادمة ولو بشكل ضئيل أفضل من لاشيء.
قادم الأيام ستتالى فيها الانهيارات في صفوف قوى العدوان على الأرض السورية وخارجها وبشكل درامتيكي كلما ما اقتربنا من الربيع وبيان حركة النهضة ستعقبه اجراءات اخرى فهم الذين اطلقوا على جعفر النميري امير المؤمينين وعلى انور السادات الرئيس المؤمن وهم من قالوا ربي الفوق وبن على لوطة والباجي منديلا تونس لن يترددوا في اطلاق لقب مدح للرئيس بشار الاسد لم يدر بخلد اعتى الموالين له.
طبعا ما يجري في سوريا له استتباع مباشر على ليبيا فالصلابي رديف الغنوشي في طرابلس قال ان سيف الاسلام القذافي يملك الشعبية الكافية للترشح للرئاسة وقد يعلنون دعمهم له في قادم الأيام،لان عدد من التنظيمات الاخوانية وخاصة بعض قيادتها تحولت الى بارونات مال واعلام واقتصاد أسود ولم تعد مستعدة لخسران مكاسبها فهي مستعدة لاتخاذ كل التدابير لحماية مصالحها…انهم يستسلمون تكتيكيا.