بقلم: محمد بن عمر |
أنظمة عربية فضحها الامريكي (ترامب) بقوله أنها بدونه لا تقوم لها قائمة، ومع ذلك نراها اليوم على الساحة العربية، فاعلة ومتحكمة في قرارات أغلب بلدانها وجامعتها، بقوة المال لا بقوة الدين والاخلاق، اذ ليس لها منهما شيئا.
عجائب أغلب الأنظمة العربية وغرائبها كثيرة، كسبت قصب السبق فيها، الى الحد الذي أصبحت من تخصصاتها، وسيئات عرفها الخاص والعام بها، صبغت سيرتها القديمة والحديثة، فلا القديمة أعادت مجدا ضائعا، ولا الحديثة التي تعنونت بثورات الربيع العربي حققت آمال شعوبها، حيث لم تلبث أن كشفت عن إرادة غربية عبريّة، يراد تغييرها من القمة الى القاعدة، وبذلك بقيت دار لقمان كما يقال على حالها، لم يتغير شيء من سياساتها، بفعل تلك الثورات.
أنظمة بقيت سائرة على نهجها السّلبي القديم، في سياساتها الداخلية والخارجية العقيمة، فلم تغير من تعاملاتها ومواقفها شيئا، تنفيذا لتعهداتها مع مستعمريها وناهبي خيراتها القدامى، حتى استقلال بعضها، كان في شكل معاهدات وبروتوكولات إخضاع للدول الغربية، لا يزال بعضها الى اليوم يشوبها غموض وتكنفها السرية، والبعد عن الخوض فيها لا يزال بعد المشرقين.
وأنظمة ظهرت (نظام بني سعود 23/9/1932) بفعل دعم بريطانيا عجوز الاستعمار الغربي – ومخططاتها الخبيثة الرامية الى السيطرة على أكبر مخزون للطاقة في العالم – وأخرى ظهرت في الثلث الأخير من القرن الماضي (الامارات 2/9 /1971/ البحرين 14/8/1971/ قطر 3/9/1971)، ولم تكن جميعها قبل ذلك التاريخ في عالم السياسة شيئا مذكورا، إذا اجتمعت مع بعضها لم تجتمع، إلا على غير مصلحة شعوبها، قد استبطنت شرّا مستطيرا، لم تظهر أعراضه على سطح سياساتها سوى أخيرا، حيث لم يكن من قبل مسموحا لها بإظهاره، وكانت تداريها بالمكر والخداع.
حقيقة أنظمة تحدث عنها زعيم الشيطنة الغربية (دونالد ترامب)، صرح بها في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون: (هناك دول لن تستمر اسبوعا واحدا من دون حمايتنا وعليها أن تدفع ثمن ذلك) مستحثا إياها على دفع مقابل حمايتها، متجاهلا في نفس الوقت تأسيسها، ولو فعل ذلك، لتعرّت بشكل فاضح، تتقرّف منه شعوبها، فتلعن المؤسس والسائس والمحميّ.
جميعنا يعرف أن اتفاقية سايكس بيكو الاستعماريةSykes–Picot Agreement (1916)، التي قسمت بموجبها بريطانيا وفرنسا الارث العثماني، فجعلتا قسما تابعا لفرنسا وآخر لبريطانيا، اتفاقية بقيت آثارها الى اليوم، خاضعة لها رقاب حكام لا حيلة لهم بدون الرجوع اليهما في سياستهم الداخلية والخارجية.
انظمة وسمت بالعمالة فلم تستحي من تلك السّمة، ومضت على ذلك النحو منذ ان نصّبت على مساحة أرض وحفنة بشر، ارتفعت أسهمها بمخزونات النفط والغاز المكتشف في باطن أراضيها، وبضم الحرمين الشريفين الى قبضتها، لم ترى وفية لشيء، بقدر وفائها لأولياء نعمة وجودها، فكل ما تطلبه بريطانيا تجده حاضرا، بلا أدنى تردد وبمنتهى الطواعية.
ومع استلام أمريكا لزعامة الغرب بعد تنازل بريطانيا عنها لفائدتها، بدأت مرحلة جديدة تدرّجت في العمالة من السرّ الى العلن، ومن المداراة الى الانكشاف والافتضاح، وليت هؤلاء الحكام يملكون ذرة من إحساس أو كرامة، تحول بينهم وبين التعرّي أمام العالم بوقاحة، لم يجرؤ عيلها أحد، لم نعهدها في غيرهم من قبل، نحن الشعوب المسلوبة الارادة، والمغلوبة على أمرها، والمخدوعة بحكام، لم يعد لديهم ماء عزّة وكرامة يظهر على ووجوهم الكالحة، بعد أن كستها ظلمات التبعية العمياء.
وبسرعة عجيبة دخلنا في بداية القرن21، مرحلة السقوط القيمي والاخلاقي، وكما قال المثل: (اذا كان كبير القوم بالدفّ ضاربا، فلا تلومن الصغار على الرقص)، فما زرعه الحكام جنت محصوله الشعوب، وهي اليوم ماضية على آثارهم، متجاهلة دورها في التغيير، ومعارضة العقم الذي أصاب بلادها على جميع الاصعدة.
انقلاب لم نشهده من قبل بمثل هذا الحجم، ووصل اليوم الى حد النقيض والضدّ، فتحوّل الاخ في الدين والشقيق في الدم والشريك في المصير الى عدوّ لدود يجب أن يوقف ويحارب، وتحول العدوّ اللدود قاتل الانبياء والمرسلين وغاصب اراضينا المقدسة ومستبيح دماء اطفالنا وشبابنا الاعزل الى صديق وحليف وشريك، وهنا تذكرت حديثا لسيدنا خاتم الانبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يؤشر الى هذه الحالة من التعاسة التي وصلت اليها أمتنا العربية الاسلامية:
(كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أوَ كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً ؟)
مستحضرا قوله تعالى، الذي أشّر الى هذه الحالة من التعاسة، التي وصلت اليها أمتنا العربية الاسلامية:
(وقالوا ربّنا إنّا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا .) (سورة الاحزاب الآيتين 67 و68)
هذا كتاب الله ووحيه، وهذا نبيّه الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقولان لنا، أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الدين لا يكون سوى حياة قيم ومبادئ، علينا أن نستجيب لندائهما، في إحياء مجتمعاتنا وبناء دولنا، وصدق من قال أنّ حياة الذل في كنف الله، أفضل من حياة العز في عدوّه، فمتى تستفيق شعوبنا، فقد عظم الخطب، وضاق زمن التدارك؟
اليوم لم تعد القضية الفلسطينية هي المستهدفة وحدها، فقد جمعت كيانات الشر الاعرابية معها كل مناصر لها، وزادت على ذلك أن حمّلت ايران الاسلامية تبعات حلف المقاومة، ناسبة اياه الى الارهاب، مع أنهما من حاربه في المنطقة، وقضى على أهدافه في سوريا والعراق، انظمة ردّة وعمالة تسعى منذ مدة، الى تأسيس قوة عسكرية، بإمكانها كسر إرادة إيران الاسلامية ومشروعها المقاوم، مستعينة بحاميتها أمريكا، ومتحالفة مع الكيان الصهيوني، فهل بقي بعد عار أفظع من هذا لم تقترفه تلك الانظمة؟