الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

نبوءة مارفل حول إفريقيا…بقلم عبد الرزاق بوالقمح

ثارت ثائرة سلطات باريس قبل أشهر، من مشاهد وردت في فيلم أمريكي يُظهر جنودا فرنسيين كانوا في مَهمّة بقارة إفريقيا في صورة قوات غازية، بغرض نهب ثروات إحدى الدول بشكل جرّ الدولة الفرنسية إلى محاكمة علنية.

هذا الفيلم الذي انتجته استديوهات “مارفل” الأمريكية الشهيرة تحت عنوان “Black Panther”، ذهب بعيدا في تصوير حملة مناهضة الوجود الفرنسي في القارة من خلال بث جلسة محاكمة لوزيرة الخارجية الفرنسية داخل مجلس الأمن الأممي، بسبب تصرُّفات جنود بلادها “المرتزقة” في إحدى مناطق دولة مالي.

وكان رد وزير الجيوش الفرنسية على ما ورد في الفيلم يشبه كثيرا المرافعات التي يقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون حول دور بلاده “الإنساني” في القارة.

وقال الوزير الفرنسي: “أدين بشدة هذا التجسيد الكاذب والمضلل لقواتنا المسلحة.. أحيِّي 58 جنديا فرنسيا سقطوا وهم يدافعون عن مالي بناءً على طلبها في وجه الجماعات الإرهابية”.

وكان هذا العمل السينمائي الأمريكي تجسيدا لموجة مناهضة الوجود الفرنسي في القارة، وتلطيخ سمعة هذا المستعمِر السابق، الذي أصبح الشارعُ الإفريقيُّ يرى فيه قوة نهب للثروات وممارسة الأبوية وإثارة النزاعات مثلما كان في السابق قوة غازية ومستعمِرا مارس النهب والإقطاع واستهدف حتى هوية هذه المجتمعات وتركها غارقة في الفقر والجهل والاستبداد.

ومن نتائج هذا الوضع أن شعوب القارة وحتى مثقفيها، أضحوا يفضلون مغامرات الانقلابات العسكرية وزعزعة استقرار مؤسسات دولهم، على أنظمة موالية لباريس سواء بصفة عمياء أو أنها تغضُّ الطرف عن مصالح باريس في المنطقة من أجل الاستمرار في الحكم.

والأمثلة الحية على اتساع رقعة مناهضة النفوذ الفرنسي كانت في انقلابات مالي، ثم بوركينا فاسو وأخيرا النيجر؛ ففي الوقت الذي رفع الضباط الذين استولوا على الحكم في هذه الدول ورقة حمراء في وجه فرنسا، كان قطاعٌ كبير من الشارع يحتج أمام الممثليات الدبلوماسية الفرنسية ويرفع شعاراتٍ رافضة للتدخل الفرنسي في شؤون بلدان القارة.

وفي الفضاء الافتراضي تحوَّلت شبكات التواصل إلى منصات لمحاكمة فرنسا وسياساتها في المنطقة، إلى درجة أن نشطاء أضحوا يدعمون الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الموالية لباريس، باعتبارها الحل الأخير والأمل المتبقي للتخلص من هذه “الأبوية” الجاثمة على صدور شعوب القارة منذ عقود.

ومطلع السنة الجارية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن خطة إستراتيجية جديدة لتعامل بلاده مع القارة الإفريقية، وذلك بالتزامن مع تصاعد موجة مناهضة لباريس وانتقالها من الشارع إلى المؤسسات الرسمية وبصفة خاصة قيادة جيوش هذه الدول.

وهذه النسخة من الإستراتيجية الفرنسية تجاه إفريقيا، التي يقول ماكرون إنها ستنقل علاقة باريس مع مستعمراتها السابقة من منطق الاستعلاء إلى الشراكة، يبدو أن هذه التحولات المتسارعة لم تترك لها مجالا للتجسيد على أرض الواقع، فضلا عن أن باريس لم تكن يوما جادة في تغيير نظرتها إلى القارة التي تعتبرها “حديقتها الخلفية” ومنطقة نفوذ تتصرف بحرّية في ثرواتها في وقت تغرق شعوبُها في الفقر والنزاعات.

وليست هذه المرة الأولى التي تعترف فيها فرنسا بوجود أخطاء في سياساتها تجاه القارة، إذ سبق لنيكولا ساركوزي أن أعلن عام 2007 إستراتيجيةً جديدة تجاه إفريقيا، بعيدا عن منطق الأبوية ووفق مبدأ العلاقات النِّدية، لكن تبين أنها مجرد كلام للاستهلاك، لخصه خليفته فرانسوا هولاند في عبارة وصف فيها هذه الشعوب بأنها “لم تدخل التاريخ بعد” !

شاهد أيضاً

فرنسا في السنغال زرعت الريح.. هل تحصد العاصفة؟…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

أوقات عصيبة شهدتها مؤخراً ستة دولٍ في القارة السمراء, وبدا المشهد وكأن عجلة الإنقلابات تتدحرج …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024