لا يزال صراع العروش ومؤامراته قائماً، ولا زال قمع الحكام المستبدين لمنتقديهم والسعي لإسكاتهم، ولكن الجديد الآن، هو الأساليب التي يبدو أن ابن سلمان طورها في سياق سعيه للجلوس على عرش المملكة، مستغلاً ثروة بلاده النفطية، فكيف يتعامل ولي العهد السعودي مع خصومه ومنتقديه.
دور سعد الجبري في كشف المستور
استمرت أساليب محمد بن سلمان السادية والمتنوعة في التخلص من خصومه أو منتقديه، منذ أن جلس والده الملك سلمان على العرش مطلع 2015، بعيداً عن ساحات المحاكم، وكثير منها لم يجد طريقه إلى وسائل الإعلام، حتى وقعت جريمة اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول، بداية أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهي الجريمة التي هزت ضمير وقلوب العالم، نظراً لبشاعتها من حيث التنفيذ والتخطيط.
إلا أنه تظل القضية التي قام برفعها سعد الجبري، مسئول الاستخبارات البارز سابقاً والمستشار الخاص السابق لولي العهد السعودي السابق الأمير محمد بن نايف، أمام محكمة فيدرالية في العاصمة الأمريكية، وجه فيها الاتهام لولي عهد السعودية الحالي محمد بن سلمان بمحاولة قتله، لا تزال هي المصدر الأبرز للمعلومات، حيث سلطت الضوء على كثير من القضايا المتعلقة بتخلص بن سلمان من منتقديه، وما خفي كان أعظم.
ومن الواضح والمكشوف، أن الجبري يمثل تهديداً مباشراً لابن سلمان، حيث يسعى الأخير بكل الوسائل إلى إسكات مسؤول مخابرات بلاده الأسبق، وكان آخر تلك المحاولات ما كشفت عنه رويترز أمس الأربعاء، 26 أغسطس الجاري، من اعتقال الأمن السعودي لصهر الجبري.
وقالت عائلة الجبري في بيان على تويتر، نشره نجله خالد، إنه جرى استدعاء صهر الجبري سالم المزيني، يوم الاثنين لمكتب أمن الدولة، حيث تم احتجازه، وجاء في البيان أن اعتقاله واختفاءه هما أحدث أعمال الانتقام والترهيب من قِبل ولي عهد السعودية ضد الجابري، لتقديمه دعوى قضائية أمام محكمة اتحادية أمريكية بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب.
وقالت عائلة الجبري لرويترز في وقت سابق هذا العام، إن السلطات السعودية اعتقلت بالفعل ابنَي سعد الجابري البالغَيْن وشقيقه، في مارس من العام الجاري، لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من كندا التي يعيش فيها.
وكان الجبري مساعداً للأمير محمد بن نايف، الذي كان ولياً للعهد في المملكة، قبل أن يحل محله في عام 2017 الأمير محمد بن سلمان، وذكرت المصادر أن الجبري كان مطلعاً على معلومات حساسة يخشى الأمير محمد أن تلحق الضرر به.
فضيحة خاشقجي
محاولة اغتيال سعد الجبري في منفاه في كندا، بحسب مستندات القضية، جرت بعد أقل من أسبوعين من قيام فريق اغتيالات سعودي بتنفيذ جريمة قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، وهي الجريمة التي أثارت ولا تزال ضجة عالمية، والتوقيت هنا لافت، حيث إنه في ذلك الوقت كانت جريمة اغتيال خاشقجي هي الحدث الأبرز على الساحة الدولية، ويرى بعض المحللين أن تلك الضجة جعلت الدول التي يوجد على أراضيها معارضون سعوديون تكثف من إجراءاتها الأمنية، وربما يكون ذلك أحد أسباب إحباط محاولة اغتيال الجبري.
حيث أن ما يصفه البعض بأنها سلسلة من “الإجراءات الاستثنائية” من جانب ولي العهد لتهميش وتحجيم منافسيه، والتخلص من أي شخص ربما يمثل تهديداً لجلوس محمد بن سلمان على العرش خلفاً لأبيه، هو في الحقيقة أساليب متنوعة بين التقطيع والخطف والاعتقال، وليس فقط الترغيب أو شراء الولاءات بالمال.
ومن بين تلك الأساليب بقيت جريمة اغتيال خاشقجي، الذي كانت كل جريمته ممارسة عمله كصحفي ينتقد أحياناً بعض قرارات محمد بن سلمان، تظل هي الأبشع، وذلك نظراً لطبيعة الفريق الذي نفذها، كنائب رئيس المخابرات السعودية أحمد العسيري، والمستشار الخاص لابن سلمان سعود القحطاني، إضافة لاستخدام إمكانات المملكة المادية واللوجستية، وتنفيذ الجريمة في قنصلية المملكة بتركيا، بمشاركة وإشراف القنصل السعودي هناك، ما يعني تكريس إمكانات دولة بحجم السعودية للتخلص من مواطن سعودي معارض لبعض سياسات ولي العهد.
وعلى الرغم من نفي محمد بن سلمان إصدار أوامر قتل خاشقجي، واعترافه بتحمل المسؤولية الكاملة بصفته الزعيم الفعلي للمملكة، فإنه لا يبدو أن أحداً يصدقه، كما أنه من الواضح أن ذلك لا يعنيه كثيراً، ويبدو ذلك جلياً من تعامله مع الجبري، واحتجاز عائلته داخل المملكة، وكذلك الأمر مع عائلة جمال خاشقجي والمحاكمة التي وصفت بالهزلية لمن نفذوا جريمة التقطيع وتبرئتهم في نهاية الأمر.
الخطف الوسيلة الأكثر نجاعة
قضية الجبري سلطت الضوء على عملية اختطاف أخرى نفذها وأشرف عليها سعود القحطاني، الذي أشرف على فرقة الاغتيالات التي أسسها محمد بن سلمان، لتكون ذراعه الثقيلة في البطش بمعارضيه، خصوصاً هؤلاء الموجودين خارج المملكة، وهذا ما كشفت تفاصيله مجلة Vanity Fair الأمريكية في تقرير عن عملية خطف الأمير سلطان بن تركي الثاني
وبحسب تقرير المجلة فإن ولي العهد قام باختطاف ابن عمه سلطان بن تركي الثاني من فرنسا بعدما كتب الأخير رسالة انتقد فيها الملك سلمان والأمير محمد، مشيراً إلى أن الأمير تركي كان على متن طائرة أرسلها بالديوان الملكي وهبطت في الرياض بدلاً من القاهرة، ومن بعدها اختفى الأمير تركي.
ووفق تقرير المجلة كان القحطاني هو من قاد فريق الاختطاف الذي استطاع ايقاع الأمير تركي في الفخ، وخديعته بعد أن منحه الكثير من التطمينات، وهو ما يشير إلى أن خطف المعارضين هو الخيار الأول المفضل لابن سلمان.
من يمثل تهديدا للأمير مصيره الاعتقال
كانت واقعة “الريتز” الشهيرة التي قام بها ابن سلمان باعتقال غالبية أمراء آل سعود وأثرياء المملكة، في نوفمبر تشرين الثاني، 2017، مؤشراً صارخاً على المدى الذي قد يذهب إليه ولي العهد للتخلص من خصومه، مهما كانت قوتهم أو قرابته معهم، كوّنهم أعمامه وأبناء عمومته، فإذا كان المعارض الموجود في دولة خارجية مصيره القتل والاختطاف، فإن أي تهدي