الجمعة , 29 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

رفيق عبد السلام يوجه رسالة طمأنة لشباب النهضة الغاضب”فككناهم واستنزفناهم وبقيت النهضة في المشهد”

وجّه القيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام في تدوينة مطوّلة على حسابه بالفيسبوك رسالة إلى بعض شباب الحركة الغاضب من خيار التوافق الذي تم انتهاجه واعتبارهم أنّه ساهم في التفريط الثورة والثوريين، ومطية لعودة النظام القديم والتستر على الفساد والفاسدين.

وكتب عبد السلام “الحقيقة التي بجب أن يفهمها شبابنا الصادق والمتحمس أن الثورات هي مسار من المد والجزر ومن التقدم والتراجع، ولكل مرحلة شروطها ومقتضياتها ورجالها أيضا.

لقد صعدت حركة النهضة في أجواء مد ثوري ليس في تونس فحسب، بل في عموم المنطقة في مصر وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، ثم جاءت أواخر 2013 بانقلاب في مصر وتحشيد في باردو ( ما عرف باعتصام الرحيل) وجرائم اغتيالات مدبرة في تونس، وموجة إرهاب ممنهج مصحوبة  بقصف إعلامي واسع  .وكان القصد من وراء ذلك  إخراجنا من المشهد وضرب المسار الثوري والتجربة الديمقراطية في مقتل.

ثم جاءت انتخابات 2014 التي صعدت  بالمرحوم الباجي قايد السبسي الى قرطاج ومن بعده حزبه نداء تونس، الذي كان عبارة عن خليط مهجن من رجالات المنظومة  القديمة ومن بعض المجموعات اليسارية والليبرالية ورافد  نسوي. هكذا مال الناخب التونسي نحو النداء بأغلبية  راجحة على حساب النهضة وحلفائها من القوى الجديدة ( التكتل والمؤتمر في ذلك الوقت).

ماذا عسانا أن نفعل في مثل هذه المعادلة التي اختار فيها الناخب التونسي بصورة واضحة وعبر صناديق الاقتراع  قوى منحدرة من صلب النظام القديم؟ هل نتصارع مع هذه القوى  للنهاية وندمر البلد وما بنيناه من منجز ديمقراطي، أم نمسك أنفسنا ونكضم غيضنا ونذهب بتوافقات قاسية مع طرف  لم يكن يضمر  لنا خيرا ؟ هل ندفع الأمور باتجاه سيناريو ليبي أو يمني أو مصري أم ندفع باتجاه سيناريو تونسي ننسجه بأياد تونسية، ونجنب بلدنا الأسوأ ولو كان ذلك بمرارة وضيق في النفس ؟

والحقيقة التي بجب أن تقال هنا هو أن الناخب التونسي هو الذي اختار النداء والمنظومة القديمة وأعاد موقعتهما في الساحة السياسية وليس النهضة.

بعد نقاش داخلي معمق انتهينا الى أن اقل الخيارات كلفة  بالنسبة للبلد ولتجربتنا الناشئة ولأنفسنا وجمهورنا الواسع، هو أن نخطو خطوة للوراء ونتعايش بحذر مع الوضع المستجد على أن تتاح لنا فرصة لاحقة وظروف أفضل للتقدم أكثر على خط التغيير والثورة.

وعلى الجهة المقابلة اضطر المرحوم الباجي قايد السبسي بخبرته وواقعيته المعهودة، الانتقال من نظرية أن النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان الى مربع ما أسماه بالتعايش الاضطراري، وقد كلفه ذلك ضريبة كبيرة على صعيد جمهوره وحزبه.

في نهاية المطاف اضطررنا الى التموقع في مكان قلق بين الحكم والمعارضة. لم نكن نحكم بأتم معنى الكلمة لأننا لا نمتلك مفاتيح الحكم الرئيسية التي كانت من تصيب النداء، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان والوزارات السيادية ( الداخلية والعدل والخارجية)، وقد بدأنا مسار الشراكة هذه، بكاتب دولة فقط، ثم وصلنا الى 4 وزراء لاحقا. ولكننا أيضا  لم نكن في المعارضة ، لأننا قدرنا أن هشاشة المرحلة لا تحتمل استقطابا حادا بين حكم ندائي ومعارضة نهضوية في الشارع ( خاصة وان الإمارات والمحور الخليجي كانا يدفعان ويحرضان المرحوم الباجي على إخراج النهضة من الحكم).

بالتأكيد التوافق الذي نهجناه مع النداء ومكونات النظام القديم ليس خيارا مثاليا ولكنه كان اقل الخيارات سوءا لبلدنا ولأنفسنا، لان البديل عنه كان  تعميق النزاعات والصراعات في أجواء الإرهاب والتدخلات الإقليمية، وما يعنيه ذلك من احتمال أن يؤول الأمر الى فتنة كبيرة أو ينزلق الوضع  لا قدر الله نحو حرب أهلية ( خاصة مع وجود السلاح على حدودنا وصعود جماعات العنف المدعومة إقليميا).

صحيح أن خيار التوافق القلق والصعب لم يتح لنا التقدم باتجاه المنجز الاقتصادي والتنموي، ولكنه في الحد الأدنى مكننا من إطفاء لهيب الحرائق المشتعلة أو القابلة للاشتعال في أكثر من موقع، وحمى بلدنا من شرور الفتن والصراعات الحادة، كما مكننا من الحفاظ على مكتسب الحرية  والدستور واستكمال بناء المؤسسات السياسية، بعد أن فرضنا قواعد لعبة جديدة على قوى النظام القديم العائد للمشهد، ،ومن ذلك  توزيعا عموديا وأفقيا للسلطة ونظاما شبه برلماني كان ومازال موضع انتقاد من هذه القوى.

الحقيقة انه كانت هناك حرب إرادات خفية  بين نظام قديم أغْرَته قوته الانتخابية وراهن على تدجيننا وتذويبنا داخل نظام سياسي افتك مقوده ، وكنا نحن من جهتنا نراهن بوعي على عامل الزمن وصلابة إرادتنا وفهمنا لخفايا الأمور، حتى نكبح جماح هذه القوة “الصاعدة” وننهكها باللعبة الديمقراطية تدريجيا، والسياسة يحكم على صوابها أو خطئها  بخواتمها ومآلاتها.

من هنا، إذا قيمنا هذه التجربة نستطيع أن نقول أنها تجربة ناجحة في مجملها رغم ما صاحبها من سلبيات وبعض الخسائر الجزئية. هذه السياسة  فككت منافسينا واستنزفتهم وبقيت النهضة في المشهد،  مع بعض الكدمات والجراحات القابلة للتداوي.

ربما خطؤنا الأكبر أننا استغرقنا الكثير من جهودنا في معارك السياسة ومناوراتها مركزيا،  ولم نوثق عرى التواصل والحوار مع جمهورنا بما يكفي، الذي أصيب بشيء من الحيرة والقلق وحتى سوء الفهم. وهذا تقصير منا قبل غيرنا. نعم نحن مقتنعون من  حيث المبدأ بسياسة التعايش والتوافق وقد فعلنا ذلك مع شركائنا في الترويكا منذ سنة 2011، ولكننا في المرحلة الثانية لم نكن غافلين عما هو تكتيكي ومرحلي.

كنا ومازلنا مقتنعين بخيار التوافق والشراكة السياسية مع غيرنا،  ولكننا نخير أن يكون ذلك مع قوى ديمقراطية وقريبة من نبض الثورة تشاركنا ونشاركها نفس الهموم والأولويات، ولكن الأمر ليس بأيدينا بل بما يفصح عنه صندوق الاقتراع نفسه.

نحتاج في المرحلة القادمة الى عقد سياسي وشراكة جديدة على ضوء برنامج عمل دقيق يضع على رأس الأولويات معالجة مشاكل الناس المستفحلة، وخصوصا تحسين ظروف العيش والحد من البطالة والتفاوت بين الفئات والجهات، كما أننا نحتاج الى مغادرة المربع القلق على تخوم الحكم باتجاه خيار أكثر وضوحا وفرزا. فإما أن نحكم من موقع متقدم الى جانب غيرنا ونتحمل مسؤوليتنا على ضوء ذلك، أو نخرج للمعارضة ونتحمل تبعات ذلك .

نعم رغم كل ما يقال نجحنا في تشيد وتثبيت البناء السياسي وتجنب اللكمات التي كان يراد تصويبها لوجوهنا ولكننا لم ننجح بعد في مهمة البناء الاقتصادي الاجتماعي، وهذا هو التحدي المطروح في المرحلة القادمة.

هذه محاولة في رسم قراءة موضوعية وداخلية لمسار شاركت في صنعه من موقع متقدما وليس الغرض منها التبرير أو التسويق”.

شاهد أيضاً

حركة النهضة المنطلقات والمآلات…بقلم محمد الرصافي المقداد

هل هي مصادفة أن يتزامن القبض على رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، مع قدوم فيصل …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024