لا يكاد يمضي يوم وتحديداً منذ توقبع الإمارات والبحرين على معاهدتي سلام مع إسرائيل في الخامس عشر من أيلول سبتمبر الجاري، من دون ان نستمع لمسؤول في السلطة الفلسطينية وهو يتحدث عن ضرورة التمسك بما يسمى بمبادرة السلام العربية على إعتبارها مخرجاً لنا من كل مشاكلنا وبلسما شافياً لنا من كل جراحاتنا ونهاية لكل عذاباتنا حتى ظننا انها وردت في القرآن الكريم او السنة النبوية.
وقبل أن أدخل في التفاصيل فإنه لا بد من التذكير بحقيقة مهمة وهي ان إثنين من رؤساء الوزارات الذين تعاقبوا على الحكم في إسرائيل منذ إقرار المبادرة وتبنيها في قمة بيروت العربية عام 2002 قد رفضوها في حين أشاد بها الثالث وأعتبرها تاريخية وطالب الرابع بدراستها بجدية من دون ان يفعلا شيئاً لترجمة مضمونها على الأرض من خلال إجراء مفاوضات على أساسها مع النظام الرسمي العربي .
فقد وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اريئيل شارون بانها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت فيه رغم ان من صاغها وكتب ديباجتها الاولية ليس الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز بل الصحافي الامريكي الصهيوني” الشهير توماس فريدمان.في حين ان بنيامين نتنياهو رفض التفاوض مع العرب على أساسها مطالباً بتعديلها لانها حسب رأيه تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية وتطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وقطاع غزة ومن هضبة الجولان السورية المحتلة فيما أشاد بها ايهود اولمرت واعتبرها تاريخية، وطالب ايهود باراك بدراستها من دون ان ترجمة ذلك بإجراء مفاوضات مع العرب على أساسها.
و لو تناسينا كل ذلك فإن اخطر ما في تلك المبادرة أن النظام الرسمي العربي، وبموافقة من قبل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية آنذاك، قد أعطى في قمة بيروت شرعية لا جدال فيها لوجود اسرائيل ،غير الشرعي وغير القانوني لان تبني العرب للمبادرة يتعارض مع قرار تقسيم فلسطين لعام 1947، ويسقط من حساباته الخيار العسكري لاستعادة الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في حرب الخامس من حزيران عام 1967.
وهذا التنازل المجاني وغير المبرر مكن اسرائيل من تضليل العالم عبر الأيحاء له بأن سبب دوامة العنف التي شهدها ويشهدها الشرق الاوسط ليس الإحتلال الإسرائيلي وسياسته التهويدية والإحتلالية والإجلائبة وايديولوجبته العنصرية الصهيونية التي تستهدف الارض والإنسان الفلسطيني والعربي بل خوفها من تكرار “الهولوكوست ” على أيدي الفلسطينيين والعرب.
وكما أثبتت التطورات التي أعقبت طرح المبادرة وتبنيها من قمة بيروت عام 2002 فإن الهدف من إطلاقها لم يكن مساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة جزء من حقوقه المشروعة بل إنضاج الظروف النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية،.لتطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل من دون حل القضية الفلسطينية.التي أصبحت بالنسبة لعملاء امريكا من العرب ليست قضيتهم .
ولكي تكتمل معالم الصورة فقد تم استبدال الحديث عن الخطر الاسرائيلي،وهو خطر حقيقي، بخطر ايراني مزعوم ،رغم ان ايران لم تعتدي يوماً على اي قطر عربي،بهدف تمهيد الاجواء تمرير صفقة القرن التصفوية وإقامة حلف عسكري عدواني عربي -إسرائبلي على غرار حلف بغداد العدواني في خمسينيات القرن الماضي
وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ومبعوثه الرباعية الدولية السابق لعملية السلام المتصهين طوني بلير في كلمة ألقاها امس الاول في مؤتمر عقدته صحيفة “جوروساليم بوست” الاسرائيلية حيث قال بان التطبيع ببن الدول العربية واسرائيل يجب ان يسبق آيجاد حل للقضية الفلسطينية منوهاً إلى أن حل هذه القضية يتحقق ليس من خلال المفاوضات وحدها بل من خلال إقناع جيل من السياسيين الفلسطينيين بان السبيل الوحيد للحصول على دولة فلسطينية حوار هو من خلال تفاهم عميق وحقيقي بين الناس وبين الثقافات وليس من خلال المفاوضات فقط.
و إذا ما تمعنا في عبارات بلير الاخيرة فإننا سوف نستنتج ببساطة بأن جهود الحلف العدواني الجديد سينصب على محاولة إيجاد قيادة فلسطينية جديدة تكون أكثر إستعداداً من القيادة الحالية للتناغم مع الحل الصهيو-امريكي للقضية المسمى بصفقة القرن.
وهذا يتطلب ليس التمسك بما يسمى بمبادرة السلام العربية ألتي اوصلتنا مع آوسلو وأخواتها الى صفقة القرن لأن الهدف غير المرئي لتلك المبادرة لم يكن حل القضية الفلسطينية وعودة اللآجئين الفلسطينيين إلى ديارهم بل تصفيتها بموافقة أهلها وهءا ما قصده طوني بلير عندما قدم التطبيع العربي مع إسرائيل على حل القضية الفلسطينية حبث ان المراهنة هي على عامل الزمن لترويض الفلسطينيين ودفعهم كرهاً او طوعاً للتنازل عن حقوقهم المشروعة.
ولذلك فإنه يجب سحب هذه المبادرة من التداول الفلسطيني والغاء اوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل وحل السلطة لأن استمرار تمسك بعض النخب السياسية والثقافية الفلسطينية بها هو مضيعة للوقت ومهارة لا تفيد احداً غير إسرائيل وأمريكا وجوقة المطبعين العرب..