الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الدعم الترامبي لإسرائيل… بقلم: د.اسامه اسماعيل

في الـ25 من مارس 2019 وقع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مرسوما يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي احتلتها من سوريا عام 1967.

جاء التوقيع في بداية اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في البيت الأبيض. ولم يكتف “ترامب” بهذا بل أكد أن أي اتفاق للسلام في الشرق الأوسط يجب أن يتضمن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، قائلاً “الولايات المتحدة تعترف بالحق المطلق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها”.

أثارت تلك الخطوة عدد من التساؤلات بشأن توقيتها في ظل عدم وجود مستجدات طارئة تدعو إليها، حيث لم تتعرض إسرائيل لضغوط لإنهاء احتلالها للجولان، إلا إنها لم تكن أمرا مفاجئا في ظل سياسة الدعم الثابت التي يتبعها “ترامب” تجاه إسرائيل منذ وصوله إلى الحكم. فقد سبق أن أعلن العام الماضي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، واعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وقام بنقل السفارة الأمريكية إليها، كما أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأخيرا وليس آخرا إغلاق مكاتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة العام الجاري 2019.

وعلى هذا النحو، من المتوقع ألا تكون خطوة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان الخطوة الأخيرة في مسار السياسة الترامبية باتجاه إسرائيل. ما يطرح تساؤلا هاما بشأن الخطوات المقبلة التي قد يقدم عليها “ترامب”؟

إسرائيل والجولان

احتلت إسرائيل جزء كبير من الجولان من سوريا خلال حرب 1967، إلى جانب قطاع غزة وسيناء والقدس الشرقية والضفة الغربية، ورد مجلس الأمن بتمرير ما يسمى بقرار “الأرض مقابل السلام” ، أو القرار 242، الذي نص على قيام إسرائيل بتبادل الأراضي المحتلة من أجل السلام والاعتراف من الدول العربية المجاورة. وافق جميع أعضاء مجلس الأمن على القرار ، بما في ذلك الولايات المتحدة.

بنهاية الحرب، تم الاختلاف، إذ رفضت الدول العربية التفاوض قبل أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، بينما رفضت دولة الاحتلال الانسحاب حتى تفاوض الدول العربية على اتفاق سلام. نتيجة لذلك، واصلت إسرائيل احتلالها للمناطق الخمس وبناء المستوطنات عليها بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب.

بعد الانتصار بحرب أكتوبر 1973 توسطت الولايات المتحدة في المحادثات بين إسرائيل ومصر وسوريا، أعادت اتفاقات كامب ديفيد رسميًا شبه جزيرة سيناء إلى مصر مقابل السلام، وفقًا للقرار 242. لكن المناطق الأربعة المتبقية ، بما فيها مرتفعات الجولان ، ظلت تحت سيطرة إسرائيل.

في عام 1981 أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وتمدد حدودها بشكل دائم لتشمل المنطقتين. رداً على ذلك ، أصدر مجلس الأمن القرار 497 الذي أدان ضم الأراضي السورية، وأعلن أنها تشكل انتهاكًا للقانون الدولي .

منذ ذلك الحين اجريت بعض المفاوضات التي لم تؤت ثمارها بين الطرفيين وواصلت سوريا مطالباتها باستعادة الجولان كاملة، لكن إسرائيل لا تبالي بهذه المطالبات، حيث استمرت في إدارة المنطقة كجزء منها، ووسعت من نشاطها الاستيطاني بها فأوجدت نحو 30 مستوطنة، يعيش بها نحو 20 ألف مستوطن من بين 50 ألف من سكان الجولان – معظمهم من الدروز السوريين – وفقا للأمم المتحدة.

في هذا السياق جاء قرار “ترامب” بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورية ليمنح إسرائيل فرصة أخرى للتوغل بالمنطقة ذات الاهمية الاستراتيجية. فعلى الرغم من أن مساحة الجولان تبلغ نحو 1860 كليو متر مربع فقط، إلا أنها تتمتع باستراتيجية استثنائية لمن يسيطر عليها، إذ تسمح جغرافيتها وقممها المرتفعة بالإشراف على العاصمة دمشق شرقاً، وعلى سائر المدن وسط وغرب إسرائيل وكانت المدفعية السورية تدك منها شمال إسرائيل بين عامي 1948 و1967. وتطل الجولان على مناطق في الأردن ولبنان، ومن يسيطر عسكرياً عليها يُمكنه أن يطال أي مكان حتى بأبسط الأسلحة التقليدية. كما تضم حوض نهر الأردن وبحيرة طبريا ونهر اليرموك ومستودعات المياه الجوفية. وتستخرج إسرائيل منها نحو ثلث مياهها ما يجعل السيطرة عليها لا يُقدر بثمن.

الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية: مؤشرات ودوافع

ولم يكن القرار الأمريكي بالأمر المفاجئ إذ سبق أن أشار إليه “ترامب” قبل أربع أيام من توقيعه بيان الاعتراف الرسمي بالسيادة الإسرائيلية، وذلك في تغريدة على موقع “توتير” حيث كتب ” بعد 52 عاماً حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي”.

كما كانت هناك دلائل تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تتحرك في هذا الاتجاه، من بينها التقرير السنوي العالمي لحقوق الإنسان لعام 2018 الذي أصدرته الخارجية الأميركية مارس الجاري والذي أسقط صفة الاحتلال عن مرتفعات الجولان مستخدما عبارة “الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية” بدلاً من “التي تحتلها إسرائيل” لوصف مناطق مرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة. وتصويت الإدارة ضد قرار الأمم المتحدة الرمزي الذي يدين سنويًا وجود إسرائيل في مرتفعات الجولان، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بذلك .

وكما تم تبرير قرار نقل السفارة إلى القدس من قبل تم تبرير هذا القرار أيضا، عبر عدد من التصريحات الرسمية، إذ أكد مسؤولو الإدارة الأمريكية أن قرار الجولان هو مجرد حقيقة معترف بها، وأشار “جاسون جرينبلات” مبعوث “ترامب” لشؤون الشرق الاوسط إلى أنه “تحت أي ظرف يمكن تصوره، لا يمكن لإسرائيل أن تتخلى عن الجولان فالقيام بذلك من شأنه أن يعرض وجود إسرائيل ذاته للخطر. وما فعله الرئيس ترامب اليوم هو الاعتراف بهذا”.

ورغم هذه التبريرات الرسمية، إلا أن توقيت القرار الذي يأتي كامتداد للسياسة الأميركية في عهد “ترامب”، التي تتبنى بالكامل مواقف حكومة “نتنياهو” اليمينية، يشير إلى أن الأهداف وراءه لا تنحصر في الاعتراف بالأمر الواقع. فالقرار يأتي في وقت يسعى فيه “نتنياهو” الى إعادة انتخابه لولاية خامسة في الانتخابات القادمة في الـ9 أبريل. حيث يواجه منافسة شرسة من جانب رئيس الأركان السابق “بيني جانتز”، فضلا عن سلسلة من المزاعم بشأن الاحتيال والرشوة.

ويأتي الاعتراف الأمريكي ليمنحه مزيدا من الأدلة التي يؤكد بها على أنه مدعوم من الإدارة الأمريكية وعلى علاقة وثيقة بها يستطيع من خلالها الحفاظ على سلامة إسرائيل، ويكسبه نقاطا سياسية كونه أخذ علاقات إسرائيل الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة.

وعلى غرار الطريقة التي اتبعها “ترامب” في اعترافه بالقدس، يهدف الاعتراف إلى تعزيز فرصة “ترامب” نفسه في إعادة انتخابه عام 2020، من خلال استهداف المجموعة الواسعة من المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين والذين صوت الكثير منهم لصالحه عام 2016.

وربما هذا ما بدأ يؤتي ثماره، فالمجموعة الليبرالية الأمريكية من أجل السلام الآن والتي تعارض تحول سياسة ترامب الخارجية، أيدت بالفعل تلك الخطوة مؤكدة أن لإسرائيل أسبابًا مشروعة للحفاظ على سيطرتها على مرتفعات الجولان في الوقت الحالي في ظل حالة الفوضى بسوريا واكتساب إيران موطئ قدم بها.

ما بعد الجولان

تشير القرارات الأمريكية المتتالية وفي مقدمتها نقل السفارة الأمريكية للقدس، والقرار الحالي بشأن الجولان، إلى أن الأمر لن يقف عند هذا الحد. وربما يمتد إلى ما هو أبعد من هذا. إلى المناطق التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية أي الضفة الغربية.

فمن المحتمل أن تكون الخطوة القادمة هي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها وخاصة المنطقة “ج” منها. فالضفة الغربية وفق اتفاقات أوسلو (1993-1995) تنقسم إلى 3 مناطق وهي: المنطقة “أ” تمثل 18% من مساحتها، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيا وإداريا، والمنطقة “ب” وتمثل 21 % من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، وأخيرا المنطقة “ج” والتي تمثل 61% من مساحة الضفة تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية. وتبقى هذه المنطقة “ج” هي الأكثر احتمالا لاحتوائها على المستوطنات الكبرى، فضلاً عن مصادر المياه والأراضي الخصبة.

فاعتراف “ترامب” بالجولان يمهد الطريق لليمين الإسرائيلي للضغط من أجل ضم الضفة والاعتراف بالسيادة عليها. وقد أدرك هذا اليمين قبل غيره، هذا الأمر، ورأى القرار الأمريكي كـ”خطوة أولى وحاسمة على طريق الاعتراف بضم الضفة الغربية”. وبالفعل أشار لهذا رئيس الكنسيت اليميني “يولي أدلشتاين” تعقيباً على تغريدة “ترامب” المتعلقة بالجولان.

و”أدلشتاين”، هو أحد الذين يؤمنون بإسرائيل الكبرى، ولا يرون حقاً لغير اليهود في تقرير المصير فوق فلسطين. وصحيح أن خطابه وغيره من اليمينيين المتطرفين، لم يكن يجد رواجاً في واشنطن، لكن مع مجئ إدارة “ترامب” مُدعمة بتلك الأصوات اليمينية المتطرفة، صار بالإمكان إتمام التعاون بين اليمين الصهيوني واليمين الشعبوي الأمريكي المتطرفين.

أما عن ثمار هذا التعاون فكانت القدس والأونروا واللاجئين من قبل، واليوم الجولان، وغداً الضفة الغربية. فالقرار الامريكي أحيى الآمال بإمكانية ضم إسرائيل للضفة الغربية. فبعد ساعات منه كتب عضو الكنيست من حزب “البيت اليهودي” اليميني “بتسلئيل سموتريتش” في تغريدة على “تويتر” للرئيس الأمريكي: “منذ 52 عاما، ازدهرنا في يهودا والسامرة، وهي أيضا ذات أهمية استراتيجية وتاريخية وأمنية، لقد حان الوقت لنعترف بسيادتنا. سنعمل على تقدم هذا الأمر قريبًا، ونأمل دعمكم أيضًا”. و”يهودا والسامرة” هو الأسم التوراتي الذي يستخدمه المتشددون الإسرائيليون للضفة الغربية .

ولم تكن هذه المحاولة الاولى. فقد سبق لـ” سموتريتش” وأحزاب يمينية في مقدمتها حزب “الليكود” اليميني، الذي يتزعمه “نتنياهو” أن دعت إلى ضم المنطقة (ج) من الضفة. كما طالب “نتنياهو”، أركان حزبه وأحزاب الائتلاف بالتريث، انتظارًا للَّحظة المواتية لتشريع ما تسمى قوانين ضم الضفة الغربية لاسرائيل، وفرض السيادة عليها. حيث أشار إلى أن الفرصة المناسبة، تأتي بعد أن يرفض الفلسطينيون صفقة “ترامب” للتسوية.

ولعل ما يزيد من خطورة تلك المطالبات ما سبق أن أشار إليه مستشار ترامب والسفير الحالي لدى إسرائيل “ديفيد فريدمان” عام 2016 من أن “ترامب سيعترف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية بأكملها إذا رأت إسرائيل أن ذلك ضروري” .

هذا إلى جانب السياسات الإسرائيلية بالضفة وسعيها لتغيير المكون السكاني بها، عبر هدم المنازل الفلسطينية وتوسيع الاستيطان. فطبقا لتقرير وكالة “أسوشييتد برس”، فالنشاط الاستيطاني ازداد بشكل كبير بعهد “ترامب” بعدما قل بعهد الرئيس السابق “باراك أوباما”. حيث أظهرت بيانات لحركة “السلام الآن” حدوث انخفاضا في حركة البناء الاستيطاني من حوالي 3066 وحدة سكنية العام 2016 إلى 1643 وحدة العام 2017 نتيجة تراجع مشاريع الاستيطان في العامين الأخيرين من فترة “أوباما”، وما لبث أن قفز هذا العدد بنحو 2.5 ضعف إلى 6712 وحدة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 مقارنة مع العام 2016 .

وأخيراً يمكن القول أنه في ظل هذه الخطط المحكمة من اليمين والحكومة الإسرائيلية والدعم المطلق من “ترامب”، ربما لا ينحصر الأمر عند الجولان أو الضفة الغربية ويمكن أن يمتد إلى الجنوب اللبناني. وهذا ما أشار إليه الكاتب “روبرت فيسك” حيث قال “إذا كانت الولايات المتحدة منحت اليوم دعمها الكامل والعلني لإسرائيل وإذا أصبح الجولان جزءا منها بسبب تهديد إيران، فإن جنوب لبنان تحت سيطرة حزب الله يشكل أيضا تهديدا لإسرائيل، وعليه ستمتد المطامع الإسرائيلية إليه ليكون جزءا منها” . وهكذا فحتى لو قرر “ترامب” الاعتراف بالضفة الغربية على أنها “إسرائيلية”، فمن غير المرجح أن يتوقف اليمينيون المتطرفون في إسرائيل بالنظر إلى طموحاتهم به.

كما أن الأمر لن يتوقف عند هذه الطموحات فقط. فربما يؤثر على مسار القضية الفلسطينية، ولعل ما يدعم هذا تصريح وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” في الـ27 من مارس الجاري بأن “خطة السلام للشرق الأوسط التي تعتزم الولايات المتحدة طرحها ستتخلى عن المعايير القديمة التي تتعلق بقضايا مثل القدس والمستوطنات، وتأكيده فشل المقاربة القديمة”.

شاهد أيضاً

وبالمناسبة… هكذا يولد النصر…بقلم د. أسامة إسماعيل

تمر أيام (العدوان) الصهيوني على (فلسطين) محملة بمزيد من الألم والقهر نتيجة ما لا يمكن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024