الجمعة , 15 نوفمبر 2024
Breaking News

مدنين: بحارة جرجيس يهبون لتمشيط البحر بحثا عن المفقودين من أبناء منطقتهم

ـ خرج بحارة جرجيس منذ ساعات الصباح الأولى لنهار اليوم الاثنين، بعد أن أعدوا زادهم لرحلة البحر.. امتطوا قواربهم ومراكبهم، ليس في رحلة صيد عادية بحثا عن القوت، بل في رحلة استثنائية… رحلة البحث عن المفقودين، أو رحلة البحث عن الجثث، بعد أن تبدد الحلم وانقطع الأمل في العثور على أبناء جرجيس الذين فقدوا في عملية هجرة غير نظامية منذ يوم 21 سبتمبر الماضي، أحياء.

شمس الدين وصلاح ومحمد، وغيرهم كثيرون، أصروا في هذه الخرجة البحرية الثالثة، والأولى من نوعها في حجم الأسطول منذ فقدان مركب هجرة غير نظامية لمجموعة من أبناء جرجيس تضم 18 شخصا، على ألا يعودوا إلا وقد عثروا على جثث أبناء مدينتهم، وإن كلفهم ذلك البقاء لأيام في عرض البحر.

أطلق الرايس شمس الدين نداء للقيام بهذه الخرجة، فاستجاب له كل رفاق دربه ولبوا النداء وحضروا بكثافة إلى ميناء الصيد البحري بجرجيس قبل شروق الشمس، وغادروه الى وجهة حددوها من منطلق خبرتهم فقط، حسب قول شمس الدين، الذي اعتبر السنوات الطوال من خوض غمار البحر، علمتهم فهم حركاته وسكانته واتجاهات تياراته.

لم تمض ساعات حتى عثروا على جثة أولى وثانية وثالثة، إلى أن ارتفعت حصيلة الجثث إلى 8، والعدد قابل للزيادة.. ومع كل جثة يرصدها البحارة تتعالى أصواتهم مكبرة… فتعمق حزن عائلات كثيرة، بل كل عائلات جرجيس التي خيم الحزن عليها.
.
استطاع بحارة جرجيس الذين أوقفوا كل أعمالهم وتجندوا لأجل هذا العمل الإنساني فقط، أن يقوموا بما عجزت عنه الأجهزة الرسمية بكل إمكانياتها بحرا وجوا منذ عدة أيام من البحث، وفق عدد من أبناء جرجيس، الذين بقدر استيائهم من بطء تحرك الأجهزة الرسمية وغياب أي تواصل معهم، بقدر اعتزازهم باللحمة التي جمعت كل أبناء هذه المعتمدية سواء الموجودون بداخلها أو من المقيمين بالخارج.

وفي هذا السياق، تحدثوا عن تبرعات لتغطية حاجيات مراكب الصيد من المحروقات، وعن تجند أصحاب القواعد البحرية السياحية خلال الأيام الماضية، للمشاركة في البحث والتمشيط، قائلين إن “معادن الناس تظهر عند الشدائد والمحن”.

اشتد الحزن على المدينة ولبست السواد والحداد، وتحول تجمع الأهالي من أمام المعتمدية في الأيام الأولى من فقدان أبناء جرجيس للمطالبة بتكثيف البحث عنهم علهم يجدونهم أحياء يصارعون الأمواج، ليلتقي اليوم الاثنين مئات الأشخاص بالمستشفى الجهوي بجرجيس، حيث ينتظرون نتائج التحاليل الجينية، أو دعوة للتعرف على ملامح جثث، في أغلبها تاكلت بعد مضي قرابة 20 يوما عليها في البحر.

المشهد تغير بتغير الوضعية… ففي الأيام الأولى من فقدان الاتصال بالحراقة، كانت الآمال بوجودهم أحياء في اليابسة قائمة، ومع إشراقة كل يوم يولد الأمل في النجاة والحياة، رغم أن الرحلة رافقتها تقلبات جوية كبيرة. غير أن انتشال الجثة الأولى وهي للفتاة ملاك، المعروفة بأنها تجيد السباحة، أطفأ بصيص الأمل، لتطفو معه حقيقة الفاجعة التي حلت بكل جرجيس وبالكثير من عائلاتها.

فاجعة غرق مركب الحراقة ليست الأولى في جرجيس، فمثل هذه الأجواء من الحزن ورائحة الموت المنتشرة في عدة مناطق، عاشتها مدينة جرجيس في سنوات مضت، ولا تزال عائلات كثيرة لم تظفر ولو بجثة فقيدها، لكن نزيف الهجرة غير النظامية لا يزال متواصلا وقوارب الموت تغادر يوميا سواحل جرجيس من أجل حلم الالتحاق بالفضاء الأوروبي وحلم حياة أفضل.

في جزيرة جربة أيضا، هناك عائلات فقدت أبناءها ولم تعثر عليهم حتى اليوم، غير أنها لم تفقد طوال أربع سنوات من الانتظار الأمل في أن يكونوا أحياء يرزقون، حيث تثابر هذه العائلات على طرق أبواب المسؤولين والمجتمع المدني، من أجل البحث من جديد في سجلات الموقوفين بإيطاليا أو مالطا أو ليبيا.

The post مدنين: بحارة جرجيس يهبون لتمشيط البحر بحثا عن المفقودين من أبناء منطقتهم first appeared on المصدر تونس.

 

  

​  

​  

Check Also

قمة الرياض…يستعرضون خيباتهم…بقلم ميلاد عمر المزوغي

سبعَ وخمسون من اصحاب الجلالة والفخامة والسمو اجتمعوا في بلاد الحرمين الشريفين, سهلت لهم التقنية …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024