كتب د. الهذيلي منصر: السّياسة وثابت الفساد والإفساد

قيس سعيّد حالم أو هو يستثمر في الحلم اذا ربطنا الحلم بالسياسة في ما يأتي من سلوك. صحيح أنّنا نحتاج إنفاذ حُلم ما لنسعَد على نطاق واسع ولكن السّؤال عن إنفاذ الحلم مُطلقا وعن إمكانية انفاذه بالسّياسة. ذلك أنّ بِنية السّياسة كابوسيّة. الواحد من ناحية ينتصرُ للأحلام ويحسب ذلك من كرامته وقيمته ومسؤوليته ومن ناحية أخرى ليس بوسعه إنكار أنّ تاريخ الإنسانية الطّويل يشهدُ على أحلام متتابعة عصفت بها السّياسة وهذه الأخيرة تقدّم نفسها مؤتمنة على الأحلام ولكنّها بعد حين تخونها والمبرّر دائما أنها بما تجتهد فيه إنّما ترعى الأحلام، تحميها وتحصّنها. ليس أعظم عند المسلمين من الحلم المحمّدي. ألم يدبّ الفساد في هذا الحُلم باكرا ؟ ألم تقوّضه السّياسة؟ ماذا كانت السّقيفة سوى بداية ذلك التقويض؟ وعندما أسلم وجهاء قريش والفاتحون على أبواب مكّة، ألم يكن ذلك ايذانا بالتّشويش على الحلم واختراق وعوده؟ بلى، كان كلّ ذلك وكان أكثر منه ولكنّ اشتغالا متينا وموجّها على العقول جعلها تحسبُ أنّ ما كان انّما كان من أجل الحلم وانتصارا له وسعيا فيه. أليست الرأسمالية بداية مشروع اسعاد؟ ألم تتحوّل كابوسا؟ كذلك الماركسية المتحوّلة ستالينية. الناصرية بما هي مشروع تحرّر وتحرير؟ الإسلامية الصّاخبة العقيمة المنتقلة داعشية متوحّشة؟ موضوعيّا، من الصّعب جدّا رؤية السّياسة تبقى وفيّة للحلم، هي في الغالب توظّفه وتشحن به لتذبحه بعد ذلك. هل الخمينية اليوم على ما يُرام تماما؟ يُعلمني أصدقاء ايرانيون بأنّ الفساد في ايران قياسي أيضا وأنّه يحتمي بساسة ومتنفّذين. مع كلّ هذا يبقى الإنخراط في الحلم شرفا عظيما والمؤمن بالحلم إنسان مقدّس. ايمانه به ضرب من ايمان بغيب والغيب غير التّاريخ. أن يتحوّل ذلك المؤمن بالحلم جماعة ومجتمعا وجيل انسانية من غير المضمون ومن غير المأمول فى مدايات بين قصيرة ومتوسطة. وجب التّسليم بفكرة أنّ الإنسانية مشروع طويل وأنّ زمننا الذاتي قصير وقد يحتاج الإنسان قرونا طويلة أخرى ليخرج في مستوى الوعي والذهن من حلقة مفرغة محكومة بقطبي الحُلم والكابوس. التسليم بهذه الفكرة لا يمنع انخراطا في السّياسة ولكن يدفع نحو انخراط واعٍ فلا يسقط في يأس ولا توحّش. ترى كيف كان الإمام عليّ يرى المشهد من حوله وهو يغسّل ويكفّن الرسول وصحابة يجتمعون لتنصيب خليفة؟ فهم ولا شكّ أنّ المُسلمين يمرّون من حلم الى سياسة ومن غيب الى شهادة. لأنّه فهم لم يحزن على مُلك فاته ولم يرفع سيفا ليفتكّه ولو فعل لنصره كثيرون. في المُستوى الذاتي هناك دوما فرصة لغنم وطبعا الغنم معنوي. هي مصائب كهذه ممكن مناطها الخفي والعزيز أن تمحّص من ينالون شرف الغُنم المعنوي. ذوات مُفردة، الواحدة منها بجحافل. تحيّة الى الشهداء دوما، مرّوا صادقين.

 

شاهد أيضاً

كتب د. الهذيلي منصر: فتنة “الحرف” أو في استحالة “البسّ”…كربلاء الأخرى

هناك نصوص عظيمة وأعمال فنيّة عبقريّة وتجارب روحية ودينية عميقة لم تكن لتبلغنا ولم نكن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024